فلسفة الصمت

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

أحياناً نلوذ بالصمت، ليس عجزاً ولا خوفاً ولا هروباً ولا حتى انسحاباً من موقف ما، ولكن يكون الصمت تعبيراً بمثابة إجابة وقوة ورد فعل رائعة لا يتقنها إلا العقلاء والعظماء للرد على الإساءة. قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت».

الصمت هو رسالة إيجابية تحمينا من زلات اللسان والخوض في الحديث والكلام الذي لا معنى له، وقد كان للصمت نصيب كبير في أقوال الشعراء والمفكرين، فقد كتب ماكس شيلر، الفيلسوف والعالم الألماني، عن قوة لغة الصمت يقول:«يمكن للأشخاص التزام الصمت والاحتفاظ بأفكارهم لأنفسهم وذلك أمر مختلف تماماً عن عدم قول شيء». ولكن للصمت دلالات كثيرة، وقد عرفناها عبر التاريخ، فالصمت عن الحق هو صمت باطل (الساكت عن الحق شيطان أخرس). فلسفة الصمت متعددة، فهناك صمت عن الطعام يعد صمتاً وحفاظاً على الصحة وعبادة، والصمت عن النميمة، والصمت في بعض الفلسفات هو نوع من التأمل، كما تشير الموسوعة الدولية للطب النفسي إلى أن الصمت له معانٍ واستخدامات بالنسبة للمريض والطبيب، فالصمت والإصغاء شيئان أساسيان في مهنة الطب النفسي، حيث يستمع الطبيب للمريض ويستوعب حالته وفي نفس الوقت يشعر المريض بتفهم الطبيب له. وحتى الصمت في الطب له دلالات كبيرة، فقد يعاني البعض الانطواء والخجل المرضي وتجده يبعد عن محيطه الاجتماعي، كما أن صمت الأطفال أحياناً يدخل في ظاهرة (التوحد). وهناك الصمت البائس الذي تعانيه الزوجات اللواتي يعانين حالات رفض لحياتهن الزوجية فتجدهن في حالات صمت تنتهي بالوفاة لرفضهن الحياة الزوجية فيتهربن إلى حياة خاصة وزاوية يمارسن فيها حياتهن ويبتعدن عن الزوج.

تتعدد حالات الصمت ويمكن أن تكون أحياناً لغة إيجابية نراها في الصمت لمشاهدة الأفلام والمسرحيات وعرض فن الباليه والاستماع للموسيقى، الصمت لغة التأمل أحياناً وتسطيع أن تمارسها في حياتك وتستمتع بالطبيعة وصوت العصافير والريح والطبيعة والأمطار والعواصف، الصمت في بعض الأحيان نراه لغة من لغات الطبيعة، هناك مقولة مشهورة عن عمرو بن العاص يقول فيها:«الكلام كالدواء، إن أقللت منه نفع وأن أكثرت منه قتل». يقول الشاعر:

قالوا، أَسَكَتَّ وقد خوصِمتَ؟ قُلتُ لهم -- إنَّ الجوابَ لِبابِ الشَّرِ مِفتاحُ

والصمتُ عَن جاهِلٍ أو أحمَقٍ شَرَفٌ -- وفيه أيضاً لِصَوْنِ العِرضِ إصلاحُ

أما تَرى الأُسدَ تُخشى وهي صامِتَةٌ -- والكلبُ يُخسى لعَمْري وهو نَبّاحُ

فلنتعلم لغة الصمت، ونشعر بها من حولنا، وكما قال الفيلسوف وليم هنريت «الصمت فن عظيم من فنون الكلام».

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5y2u5bwv

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"