قلت للقلم: هل للإبداع الفنّي جغرافيا إبداعيةٌ، مثلما ثمّة جغرافيا طبيعية؟ مثلاً: هل تصاب منطقة ما بالقحط القحل المحل الإبداعي، فتتصحّر المواهب وتجدب فتغدو بيداً دونها بيد؟ قال: طرحك مريب، كأنما أصابتك العدوى. لكن، أمهلني رويداً أفكّر، ففي ذاكرة الجغرافيا دلائل وفيرة. ألم تكن الصحراء الكبرى في إفريقيا غاباتٍ وآجاماً وآكاماً بالأمس القريب، قبل سبعة آلاف عام؟ ألا ترى صورةً طبق الأصل حين توجّه المرصد نحو المشهد الثقافي العربي في العواصم العربية بين العقدين الثالث والسادس الماضيين؟ كيف أقفرت الساحة واستبيحت الباحة؟
قلت: دمّرتَ أعصابي، بتأجيج عُصابي، وفاقمتَ أوصابي، فمن بالسوء أوصى بي؟ وما لكَ تلعب بأزلامي وأنصابي، كأنما يسرّك مصابي؟ قال: من يقوى على شرح الصدور، بكشف المستور؟ كلا، فحلّ لغز الانهيارات غير مقدور. قلت: حسناً، «إذا لم تستطع شيئاً فدعهُ.. وجاوِزْهُ إلى ما تستطيعُ». هل غُلّقت أبواب الإبداع؟ هل نضبت أنهار الإمتاع والمؤانسة في إنتاج مسلسلات رمضان؟ أولئك المنتجون تُشرّق أذهانهم وتُغرّب بحثاً عن أفكار لا تمتّ إلى واقع العالم العربي بصلة. فما سرّ ولعهم بألوان الاستلاب والاغتراب، كأنهم نبتوا في غير هذا التراب؟.
قال: حسبك عتاباً، لعلّ لهم عذراً وأنت تلومُ. شغّل مولّداً كهربائيّاً، بدلاً من أن تلعن انقطاع التيّار. قلت: خذ نقداً، ولا تسرف نقداً: ما رأيك في تسع وعشرين حلقةً، كل يوم هي في شأن من مجالات نهضة تنموية شاملة لكل العرب؟ في العلوم من الأرض إلى الكون، الاقتصاد، الصناعة، الزراعة، الصحة، الدفاع العربي المشترك عليه رحمة الله، زراعة الخيال في مناهج التربية والتعليم، مركز بحث علمي في كل حي وحارة، مجلات علمية تسقطها الطائرات المسيّرة على البيوت، معجزة أن العرب استيقظوا ففوجئوا بأنهم يتكلمون العربية بطلاقة، ويكتبونها من غير سوء، معجزة أخرى: صار الغرب قبل أن ينبس ببنت شفة أمام العرب، يرفع سبابته طالباً الإذن بالكلام، لأن العربي صار: «لا يُكلَّم إلاّ حين يبتسمُ». ومن المعجزات: سلّة غذاء عربية، كلّما دخل عليها العرب وجدوا عندها رزقاً وفيراً يفيض على الأمّة، ثمّ يُسمن فقراء القارّات ويغنيهم من جوع.
قال: أتدري ما الذي يمكن أن يحدث للفضائيات وطواقم عملها، وشركات الإنتاج وكل المشتركين في مسلسلاتها؟ لن يحاسَبوا حساباً يسيراً، ولن ينقلبوا إلى أهلهم مسرورين. سيتهمونهم بأنهم يزيّفون الواقع ويزيّنونه.
لزوم ما يلزم: النتيجة الاستدراكية: وهل ما تبثّه المسلسلات هو التصوير الصادق للواقع العربي؟
