علل تلاشي الرّيادة الثقافيّة

00:08 صباحا
قراءة دقيقتين

أليس عجيباً أن أوساط الثقافة والفنون لا تعكف على بحث علل كل نطيحة ومتردية في محيطها؟ لعلك ترى في السؤال سذاجة، كالقول: ما للمعتلّ لا يعرف سرّ اعتلاله؟ القضية مختلفة، فالمثقف والفنان لا يكونان هكذا إلاّ متى كانا ناقدين. النقد الذاتي مكمّل للإبداع. عادة رائعة في الشعر الجاهلي: الحوليّات. يظل الشاعر عاماً منشغلاً بتحسين القصيدة وتجويدها. وجهات النظر شتّى. جلال الدين الرومي مثلاً: يقول: «كل شعر يأتي من دوني، يكون رائعاً». العكس تماماً.

ما يسترعي الانتباه، هو أن القرن العشرين شهد ارتفاعاً فريداً في منسوب الثقافة، آداباً وفنوناً، من 1920 إلى 1960. في تلك الحقبة تجلّت الثقافة في مشهد تناغمت فيه كل مكوّناتها. لكن التحليل سيكون أحول إذا أسقطنا الرجوع إلى ما قبل ذلك بكثير، إلى القفزة التي حققتها مصر في عهد محمد علي باشا، والمحطة البديعة التي أبدعت أوبرا «عايدة» للمؤلف الموسيقي الإيطالي فيردي، بمناسبة افتتاح قناة السويس، والروّاد النهضويين في أواخر القرن التاسع عشر. من الضروري دراسة الأسباب التي جعلت جياد الآمال العربية تكبو كبوتها؟

في تلك العقود الأربعة، كان العالم العربي عالماً عربيّاً. كانت لمصر ريادة ثقافية من الماء إلى الماء. اليوم، في رأيك، ثمّة أدباء، شعراء، ملحّنون عرب، «يتزعمون» ميادينهم؟. لا تلوح في الساحة أيّ أواصر عضوية بين مكوّنات الثقافة عربيّاً؟ طه حسين كانت كلماته تُسمع من به صمم من طنجة إلى عدن. أمّ كلثوم كانت حفلاتها الشهرية تحشد وتحشر العرب مشرقاً ومغرباً. تلك المهابة الثقافية كانت دافعاً إلى الأفضل في الأدب والفن. الأعمال الكوميدية كانت تحظى بعناية فائقة من حيث الفن والاحتراف، أمّا اليوم فهي في العناية المركّزة. خذ مثلاً مسرحية «إلا خمسة»، بطولة عادل خيري وماري منيب، لا تجد فيها ممثلاً أو ممثلةً، غير متألقة، بلا استثناء. حتى نسبة التهريج مقبولة: إملاء الرسالة على السكرتير (مِعْزة ومَعَزّة)، أو مشهد إطالة التكرار الزهايمري: «أنتِ جاية تشتغلي إيه»؟

لكن، ما يجب أن يعلمه المثقفون علم اليقين، حتى يكدّوا ويكدحوا في إيصال الرسالة، هو أن القضية متوقفة على سلسلة مراتب في المسؤوليات، فالتفكك الذي أصاب العلاقة العربية في كل المستويات، لن تعالجه حلول أدبية أو فنية محدودة.

لزوم ما يلزم: النتيجة الفكرية: فيروس شتات التنمية العربية يتكاثر في كل خلايا الجسم العربي.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5b9h6aaj

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"