خواطر في التقزيميّة الثقافيّة

00:08 صباحا
قراءة دقيقتين

أليس الميراث الثقافي الإسلامي إرثاً مملوكاً للعالم الإسلامي بكامله؟ أي كل ما أبدعه المسلمون على خريطة مساحتها 32 مليون كم2، تتقاسمها 57 دولة، بمعنى أن المنتمين إلى تلك البلدان يستطيعون أن يفخروا بأن كل روائع الأدب الصوفي وغيره، التي أشرقت شموس معارفها على ربوع العالم الإسلامي، في آفاق تلك اللغات والثقافات، إنما هي تراث مشترك وحق مستحق لجميع المسلمين.

طريف أن النيوب البارزة التي مَزّقت الجسد الإسلامي، ونحن طوال ثلاثة قرون نظنّ أن الليوث تبتسم، مستشرقوها قضوا عشرات السنين في نقل آداب لغات العالم الإسلامي إلى الإنجليزية والفرنسية والألمانية... ما لم يفعل مقدار 10% منه أدباء المسلمين. لقد أخذ المستعمرون الأمور على أنها ثروات ثقافية إنسانية، إذا أضافوها إلى أرصدتهم فقد استثمروا شيئاً عظيماً. رأوا أنها كنوز لم يعرف أهلها الأقربون والأبعدون قيمتها فليعرفوا هم قدرها. في كل العالم الإسلامي، بل العالم كله، لا توجد ترجمة لكتاب «المثنوي المعنوي» لجلال الدين الرومي (25 ألف بيت) ترقى إلى مستوى ترجمة البريطاني رينولد نيكولسون إلى الإنجليزية. للمستشرق تحقيقه الخاص لهذا العمل، الذي جعل النقاد يلقّبون جلال الدين بهيغل الشرق. من بين الذين أسدوا خدمات جليلة إلى التصوف الإسلامي، الألمانية آن ماري شيمل، الفرنسي الأب ماسينيون، الإسباني آسين بلاثيوس، والقائمة تطول. ما مدى عمق العلاقات الثقافية بين دول العالم الإسلامي؟

الأطرف أن الثقافات واللغات في العالم الإسلامي لم تعرف محدوديّة الهوية قديماً: جلال الدين ولد في بلخ، اليوم في أفغانستان، وقضى حياته في قونية بتركيا، وأبدع 99% من أعماله بالفارسية. ميرزا غالب عاش في الهند وكتب أشعاره بالفارسية والأردو. محمد إقبال باكستاني أعماله بالأردو والفارسية. لو حاولنا استعراض القوائم لم يكفنا حتى القول «سلامٌ هي حتى مطلع الفجر». الزمخشري صاحب التفسير البلاغي للقرآن الكريم من تركمانستان اليوم. الفيلسوف الفارابي من قازاخستان. شوقي يقول «أنا عربي، شركسي، كردي يوناني». الذين جعلوا العالم الإسلامي فتيتاً وثريداً، أدركوا حق الإدراك أن أكبر خطر عليهم هو أن يحمل أحد في دماغه هويةً رقعتها الجغرافية 32 مليون كم2، عليها ملياران من الآدميين، الذين لو بسطت مؤلفات مكتباتهم لغطّت أوروبا وأمريكا الشمالية.

لزوم ما يلزم: النتيجة العكسية: عجباً، لم تنبثق في مخيّلة شركة إنتاج فكرة مسلسل تنطلق عكس تيّارات التقزيم والتقسيم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4ujzyzf4

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"