سيدة الربيع

00:13 صباحا
قراءة دقيقتين

الأرض تزهر. يقولون إنه الربيع، فصل يأتي ثم يرحل، بيده عصا تنثر سحراً على الأرض، فيُزهر الشجر وترتدي الطبيعة أجمل الورود والزنابق.. ويقولون إن الأرض بربيعها ترمز إلى الأمومة، العطاء بلا حساب وبلا مقابل، الاحتضان والإنجاب وولادة حياة من رحمها، الأمل والحب والدعم الدائم.. ربيع يأتي ويرحل.

تأتي المناسبات لتفتح أبواب الذكريات وربما تكشف جراحاً يحاول الإنسان كتم آلامها، رغم اعترافه ويقينه المطلق بحقيقة وجودها. بالأمس كان العيد مناسبة ينتظرها ويخطط للاحتفال بها قبل وصولها بأيام لا بل أسابيع، يخطط لأجمل المفاجآت ويجمع المال كي يشتري أجمل هدية وينتظر بريق العينين لحظة الكشف عن المفاجأة ولحظة تلقي الهدية واكتشاف مضمونها، فيكبر في قلبه الفرح والفخر بهذا الإنجاز ولو كان بسيطاً، لأنه يعلم أنه كبير في عيني صاحبة العيد، وينتظر رد فعلها ليشعر هو بفخر من صنع إنجازاً عظيماً سيبقى محفوراً وخالداً.

أليس هو الطفل الذي كان يمسك بأطراف ثوبها وينتظر التفاتة رضا من عينيها ويرقص قلبه على إيقاع ضحكاتها؟ أليس هو المراهق الذي تجاهلها بطيش وتمرّد عليها برعونة وعاد ليرتمي في حضنها ولو صامتاً، كنوع من الاعتراف بالضعف والخجل من أخطاء لم يتمرس بعد على عدم الوقوع فيها ولا على كيفية التحلي بالصبر والحكمة ليسبق التفكير الفعل والقول؟!

أليس هو من تهرب الكلمات منه اليوم، كلما حاول الكتابة عنها، وهو يعلم جيداً أن الهدية لن تستلمها بين يديها وأن الكلمات هي المرسال الوحيد القادر على التحليق عالياً لاختراق الغمام وكل شروق ومغيب والوصول إليها؟ أليس هو من يحاول تجاهل المناسبات وطيّها خلف النسيان كي لا يرقص وحيداً بلا إيقاع ضحكاتها؟ أليس هو الهارب كي لا يرى من الربيع سوى مجيئه وكأنه لن ينتهي أبداً، ولن تشيخ الزهور وتذبل أبداً، ولن تتبدل المواسم فيهجم الصقيع أبداً، ولن يأتي الرحيل أبداً؟.

اليوم ربيع، اليوم تتفتح براعم جديدة، تزهر الطبيعة، يسرع صغار لشراء أجمل هدية وإن لم تكن أغلاها، لتليق بصاحبة المناسبة سيدة الربيع، جميلة لحظات البحث عن الهدية وهمسات الأبناء تخفي المفاجأة وعيونهم تنتظر لحظة الإعلان عنها، وكأنه إعلان نصرٍ؛ عميق ما تحفره تلك المناسبات من ذكريات في العقول والنفوس تعيش أبداً، فتنتقل بالميراث من جيل إلى جيل، ويتجدد الربيع وتتجدد المفاجآت وتفوح من كل الهدايا مهما تبدلت وتنوعت رائحة واحدة، هي رائحة الأم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"