«الحشاشين».. ملحمة أكبر من المهاترات

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

غريب هذا المسلسل، أثار ضجة منذ الإعلان عن قدومه إلينا في رمضان وهذا أمر طبيعي لأنه يتناول جماعة معروفة بدمويتها وعنوانه بحد ذاته لافت «الحشاشين»، لكن ما إن بدأ عرضه حتى توالت الأقاويل وبات معظم الناس يردد نفس العبارات: «لا نفهمه» التي انتشرت أينما تحدثت عنه، ثم تلتها العبارة الثانية والتي ترددت بنفس القوة «عيبه أنه ناطق بالعامية المصرية وليس بالفصحى»، وكأن من لم يفهمه وهو يتحدث بالعامية سيسهل عليه فهمه بالفصحى، ورافقت كل حلقاته مصطلحات سلبية كل هدفها «الذبذبة» والتشويش عليه كي ينصرف عن مشاهدته الجمهور، فقالوا إنه مستفز ومسروق وبه شطحات ويشوه التاريخ... لكنه أكمل رحلته صعوداً حتى وصل سريعاً إلى القمة واكتمل الإبهار وصار العمل بحد ذاته علامة وبصمة ستبقى خالدة في تاريخ الدراما المصرية والعربية.

«الحشاشين» ملحمة بكل معنى الكلمة، والملحمة أكبر من أن يتم تفصيلها على مقاس مزاج فئة معينة من الناس وأكبر من الدخول في مهاترات، وما قدمه الكاتب عبد الرحيم كمال والمخرج بيتر ميمي أكبر من أن نحمّله عقدة المقارنة بينه وبين الدراما التركية أو بعض المسلسلات الغربية.. إنه ملحمة مشرّفة للفن العربي وليس المصري فقط، فهو مصنوع بحرفية عالية ارتقت به إلى مستوى العالمية، ويستحق أن تتم ترجمته ليعرض على الشاشات الأجنبية.

تعجز عن تناول تفصيلة دون الأخرى، وأنت تفكر من أين تبدأ بالحديث عنه وماذا تقول؟ تشعر بأنه مع كل حلقة جديدة يُصعّب عليك المهمة؛ لم تكن سهلة مهمة عبد الرحيم كمال في الكتابة عن فرقة «الحشاشين» التي جمعت التناقضات لتُظهر عكس ما تُبطِن، تتحدث وتدعو إلى الإيمان المطلق والزُهد والفضيلة وهدفها السلطة والحكم والسيطرة على العالم عن طريق القتل والدم والإرهاب.. الدين عباءة تخفي تحتها أطماعاً دنيوية دنيئة؛ ولم يكن سهلاً أن يكتب عن حسن الصباح ليكون بطلاً على الشاشة، والبطل يعني شخصية جاذبة قوية من السهل أن يتعلق بها الجمهور فيحبها.

فكيف يكون حسن الصباح بطلاً حقيقياً، لكن لجام تعلقنا به وحبنا له في يد المؤلف، يعرف كيف ومتى يرسم حدود هذه العلاقة فتتحول من الإعجاب إلى الكره، وكيف نفصل بين حبنا للعمل وللكلام المحبوك بإتقان والمضمون العميق الذي نسمعه ونراه من جهة وبين الرسالة الحقيقية التي تصلنا بشكل تلقائي فتنفصل المشاعر عن العقل، وندرك جيداً أن «حامل مفتاح الجنة» حسن الصباح هو الشيطان على الأرض!. إبداع في الكتابة يقابله إبداع في تحويل هذا الحبر إلى عمل متكامل سواء في الإخراج أو التنفيذ أو التمثيل.. وللكلام بقية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/565p3htd

عن الكاتب

كاتبة وناقدة سينمائية. حاصلة على إجازة في الإعلام من كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. ساهمت في إصدار ملحق "دنيا" لجريدة الاتحاد ومن ثم توليت مسؤولية إصدار ملحق "فضائيات وفنون" لصحيفة الخليج عام 2002 فضلا عن كتابتها النقدية الاجتماعية والثقافية والفنية. وشاركت كعضو لجنة تحكيم في مهرجان العين السينمائي في دورته الأولى عام ٢٠١٩

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"