عادي

نصوص مجهولة لبريشت في نشرة مدرسية

00:32 صباحا
قراءة 3 دقائق

القاهرة: الخليج

يكشف كتاب «حصاد برتولد بريشت» ترجمة ماجد الخطيب، عن البدايات المبكرة للشاعر والمسرحي الكبير، التي نشرها وله من العمر نحو 12 سنة في نشرة «الحصاد» الثقافية، في الوقت الذي كانت الصحف والمجلات لا تنشر محاولاته المبكرة تلك، وهو في يومياته يعبر عن قناعته بأنه تعجل إرسال هذه الأعمال إلى الصحف، قبل أن يشبعها درساً وتنقيحاً، وربما أن المزيد من الدقة والحصافة في الكتابة كان الدرس الأول له في التعامل مع الصحافة التي نشرت أعماله بدءاً من سنة 1914.

قبل العثور على «الحصاد» نشرت مجلة «دير شبيغل» ذائعة الصيت سنة 1995 قطعة نثرية مجهولة لبريشت عنوانها: «ممثل بارع» كان المعتقد أن أرشيف بريشت في برلين لم يترك حجراً في أعماله دون أن يقلبه، لكن «دير شبيغل» سبقتهم في نشر القصة بعد أن عثر عليها ناشر أعمال بريشت في الأرشيف، المثير في الكشف عن هذه القطعة هو أنها كانت موجودة في أرشيف الكاتب لكن المسؤولين عنه أغفلوها لعقود، ربما لأن الرجل كتبها بالإنجليزية التي لا يجيدونها.

كان بريشت الهارب من قمع السلطات النازية إلى الولايات المتحدة، يحاول كسب لقمة عيشه عن طريق الكتابة إلى بعض الصحف الأمريكية، وكتب «ممثل بارع» بهدف نشرها في مجلة أمريكية لكنه فشل، تتحدث القطعة عن لقاء بريشت وثلة من أصدقائه الكتاب والفنانين بأدولف هتلر، يوم كان الأخير سياسياً قومياً متطرفاً، ما انفك يحاول تسلق سلالم السلطة، حينذاك كان هتلر يدفع مبالغ كبيرة نسبياً إلى أستاذ مسرح كبير، لقاء تعلمه كيفية الإلقاء وأساليب استخدام صوته ويديه وحركة رأسه لإثارة الجمهور.

*عبقرية مبكرة

في اليوميات نفسها يباغتنا بريشت قائلاً إنه كتب العديد من القصائد والقصص، إلا أن ثقافته وملكته الفكرية لا تزالان أبعد بكثير من القدرة على كتابة الدراما، ورغم هذه الملاحظة، ينشر أول مسرحية له في نشرة «الحصاد» وتكشف هذه المسرحية ذات الفصل الواحد عن عبقرية مبكرة، ربما لم يدركها هو في نفسه في تلك السن، وضع للمسرحية عنوان: «إنجيل» وأرفق معها في ورقة منفصلة قصيدة واحدة بعنوان: «ليلة رأس السنة تقرع فيها النواقيس في توقيت مثير مع قرع نواقيس الحرب في مسرحية «الإنجيل».

هل اكتمل أرشيف بتولد بريشت الآن بعد العثور على«الحصاد»؟ يتضح بعد دراسة تلك النشرة أن بريشت كان وراء 80% من النصوص التي تضمنتها رغم كتابته لبعض القصائد والقصص بأسماء مستعارة.

كان بريشت رئيس تحرير لتلك النشرة، التي لم يحتفظ بأية نسخة منها، رغم أنها حملت أعماله الأولى، ربما بسبب كثرة تنقله أو بسبب هجرته القسرية إبان الحقبة النازية إلى خارج ألمانيا، ولذا تبدو قصة «الحصاد» وكيفية العثور عليها مثل فيلم إثارة طويل يجري في أحداثه تهريب الوثائق السرية بين جهتي برلين إبان الحرب الباردة، أو مثل فيلم تجسس يجري خلال وقائعه تبادل الجواسيس بين الغرب والشرق على جسر الجواسيس المشهور قرب برلين.

بعد العثور على أعداد النشرة، اتضح أن الأعداد السبعة كتبت بالكامل بخط اليد من قبل شخص واحد يعتقد الخبراء أنه خط جورج غاير زميل بريشت الذي أصبح طبيباً، ويستبعد الخبراء في أرشيف بريشت ما ذكره أحد التلاميذ في مذكراته عن فتاة محترفة كانت تكتب النصوص بخط يدها، لأن هيئة التحرير المؤلفة من تلاميذ المدارس لم تكن قادرة على تحمل تكاليف شخص محترف ينهض بالمهمة.

لم يعر أرشيف بريشت ببرلين ولا المتخصصون في أدبه اهتماما بمجلة «الحصاد» رغم أنهم عرفوا عن وجودها من شهود العصر الذين رافقوا الكاتب في المدرسة، وقرأوا عنها في مذكراته، لم يهتموا بها اعتقاداً منهم أن نشرة ثقافية مدرسية صدرت سنة 1913 وسن بريشت لم تزد على 15 سنة لا يمكن أن تحتوي على أكثر من قصيدة أو قصيدتين ركيكتين لكاتب مراهق.

*موهبة كبيرة

يتضح بعد ذلك أن بريشت كتب أكثر من 80% من محتويات الحصاد فضلاً عن مسرحيته التي احتلت العدد الخامس برمته، وكانت نصوصه تكشف عن كاتب بارع وموهبة كبيرة، وسدت الحصاد ثغرة في سيرة حياة الكاتب الأدبية والشخصية، بل إنها كانت الحلقة المفقودة التي كشفت للنقاد من أين نشأت أعمال بريشت الكبيرة مثل«حياة جاليلي» وغيرها.

من يقرأ «الحصاد» ويلاحظ تنوع كتابات بريشت بين المسرح والقصة والقصيدة والمقالة والتعليقات السياسية والاجتماعية الساخرة وهو ابن 15 سنة سيعرف سر تنوع الكاتب الإبداعي في فترة النضوج الشخصي والإبداعي بين هذه التلاوين الأدبية، إذ اختط بريشت في المسرح كما هو معروف منهجاً كاملاً صار يحمل اسمه، لكن أشعاره وقصصه لا تقل أهمية عن نتاجاته المسرحية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5b6c2hya

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"