عادي
مدن تكتب التاريخ

«فاس».. حاضرة من عوالم «ألف ليلة وليلة»

16:31 مساء
قراءة 4 دقائق
باب «بو جلود»
جامعة القرويين

الشارقة: علاء الدين محمود

برزت الكثير من المدن في المغرب العربي ولعبت دوراً كبيراً في الحضارة العربية والإسلامية، وتحضر مدينة فاس - من بين تلك المدن - بصورة أكثر خصوصية، فقد كانت من الحواضر ذات الشأن العظيم، خاصة فيما يتعلق بالعلم والأدب والثقافة والمعارف المتنوعة، وتعتبر اليوم العاصمة العلمية للمملكة المغربية، وثاني أكبر مدنها بعد الدار البيضاء، من حيث عدد السكان.

تأسست مدينة فاس سنة 182 هجرية / 789 ميلادية، على يد إدريس الأزهر بن إدريس الأول بن عبد الله الكامل، المعروف ب«إدريس الثاني»، الذي جعلها عاصمة للدولة الإدريسية بالمغرب، فصارت من الحواضر التي تشد إليها الرحال طلباً للعلم، نظراً لمكانتها الكبيرة التي ما زالت تحتفظ بها حتى اليوم.

وتنقسم فاس إلى ثلاثة أقسام: «فاس البالي»، وهي المدينة القديمة التي بنيت في القرن الثامن الميلادي، و«فاس الجديد»، وقد بنيت في القرن الثالث عشر الميلادي، والمدينة الحديثة، التي تم بناؤها إبان فترة الاستعمار الفرنسي، وتندرج فاس ضمن التراث العالمي الإنساني، نسبة لما تزخر به من معالم وبقاع تراثية، وكذلك لكونها من أكبر المدن القديمة في العالم، وقد اتخذها العديد من العلماء والصالحين وطناً لهم، كما أنها اشتهرت بالفنون والعمران والتعايش السلمي بثقافات مختلفة ومتنوعة، وهي من أوائل الحواضر الإسلامية التي أسست في شمال إفريقيا، فصارت مركزاً حضارياً مُهماً، وقد وفد إليها أهل الأندلس واستوطنوا الجزء الغربي فسمي عدوة الأندلس، ووفد إليها أهل القيروان من تونس واستوطنوا الجزء الشرقي منها فسمي بعدوة القرويين، وهذا الاستقطاب الكبير للسكان هو ما جعل دور المدينة متلاصقة بعضها ببعض، وجعل أزقتها ضيقة، ذلك أن المدينة أحيطت أول الأمر بالأسوار، التي فُرض على السكان البناء داخلها، فاستُغِلت كل مساحة المدينة في البناء.

  • سر

تعددت الروايات حول أصل اسم «فاس»، لكن أشهرها أن إدريس الثاني كان يشارك العمال في حفر الأساسات بفأس صنعها له بعض عماله، فسميت المدينة نسبة لذلك «الفأس»، ثم حُوِّرت مع الزمن حتى صارت «فاس»، وهنالك رواية أخرى تقول إنه لمّا شرع العمال في البناء وجدوا فأساً كبيرة قديمة، فسميت المدينة بها.

تعج المدينة بالكثير من المعالم التاريخية والتراثية، منها المساجد والأضرحة والقباب، والمدارس، والقصور والمباني ذات المعمار المميز، وأشار العديد من المؤرخين إلى الطابع الساحر للمدينة وكأنها قفزت من عوالم «ألف ليلة وليلة»، بقصورها ومتاحفها، ومعاهدها العلمية والدينية، والمعمار الذي جمع بين حضارات مختلفة، ومن أبرز تلك المعالم: مدرسة «بوعنانية»، ذات الزخارف الأنيقة، والساعة المائية التي لا تزال لغزاً يجهل المختصون تقنية تشغيلها، و«متحف دار البطحاء»، و«مدرسة العطارين»، المزينة بالزخارف والفسيفساء الخزفية، وهي المدخل الرئيس للمدينة وأكثر المعالم شهرةً في فاس، وهناك «ساحة الباشا البغدادي»، و«باب بو جلود»، إحدى أهم بوابات السور المحيط بفاس القديمة، و«قصر عديل»، و«برج الشمال».

لكن أكثر المعالم شهرة في المدينة هو «جامع وجامعة القرويين»، لأن هذا المعلم هو العنوان الأبرز للمدينة، وكان بمثابة المركز الفكري والثقافي والعلمي الأول في الغرب الإسلامي لعدة قرون مضت، واستقطب كبار علماء المسلمين، مغاربة ومشارقة وأندلسيين، مثل: أبو عمران الفاسي فقيه عصره، وابن البناء المراكشي أشهر رياضي في زمانه، وابن باجة عالم اللغة والطب، كما زاره الشريف الإدريسي أبو الجغرافيا الحديثة، ومكث فيه مدة، وكذلك الطبيب ابن زهر، ودوّن فيه النحوي ابن آجُرُّوم كتابه المعروف في النحو (الآجُرُّمية)، ومن العلماء الذين أقاموا بفاس ودرسوا بجامعتها المؤرخ ابن خلدون، مؤسس علم الاجتماع، ولسان الدين بن الخطيب، والفيلسوف والصوفي ابن عربي، وابن مرزوق، والعالم والطبيب عبد الله الكتامي الذي حصل فيها على أقدم إجازة معروفة في الطب في العالم، وقضى فيها الطبيب والفيلسوف موسى بن ميمون بضع سنوات، أستاذاً وتلميذاً، كما قصد تلك الجامعة علماء من غير المسلمين، حيث درس فيها سيلفستر الثاني، الذي شغل منصب البابا من عام 999 إلى 1003م، وقد تحدث الكثير من المؤرخين والرحالة عن تلك الجامعة، فقال فيها الدكتور المؤرخ عبد الهادي التازي: «وما المغرب إن لم يكن القرويين»، ودخلت موسوعة جينيس للأرقام القياسية كأول جامعة في العالم ما زال التدريس مستمراً فيها منذ تأسيسها سنة 857م.

  • ذاكرة الشعر

عرفت فاس كمركز ثقافي وفكري وأدبي، وألفت حولها العديد من الكتب والدراسات والبحوث منذ القدم، من طرف المغاربة والعرب والغربيين وغيرهم، كما نظمت فيها العديد من الأشعار والقصائد، ولعل أشهر الشعراء العرب المعاصرين الذين تغنوا بفاس والمغرب هو الشاعر أدونيس في نص شهير بعنوان «مراكش، فاس... والفضاء ينسج التأويل»، ذكر فيه ما تختزنه تلك البلاد من كنوز طبيعية ومآثر تاريخية وفضاءات خلابة، أما أشهر المغاربة الذين تغنوا بفاس، فهو الشاعر محمد عبد الرحمن الحلوي، الذي خلد مدينته بالعديد من القصائد.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4ccuzu2d

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"