عادي
مدن تكتب التاريخ

بلنسية.. ساحرة «المتوسط»

23:31 مساء
قراءة 3 دقائق
بلنسية

الشارقة: عثمان حسن

بلنسية و(تلفظ بالإسبانية فالنسيا) هي إحدى مدن إسبانيا الكبرى، وتحل في الترتيب الثالث بعد مدريد وبرشلونة، وهي بكل تأكيد مدينة أندلسية عظيمة، اشتهرت بخصوبة تربتها وكثير رياحينها وأشجارها، ولذلك فقد لقبت ب «بستان الأندلس»، و«ساحرة البحر المتوسط»، وكانت تتوسط سهلاً خصباً يمتد على ساحل المتوسط، ويرتوي من جداول مائية تتفرع من الوادي الأبيض.

دخلت بلنسية تحت الحكم الإسلامي عام 714 ميلادية، على يد القائد عبد العزيز بن موسى بن نصير، وتوالى على حكمها - الذي استمر عدة قرون - الولاة الأمويون، والعامريون، وملوك الطوائف، والمرابطون، وكان آخر من حكمها هم الموحدين، الذين انتهى حكمهم عام 1230 ميلادية، ومن المعروف أنه قد تأسست في بلنسية مملكة إسلامية عام 1010 ميلادية، على يد اثنين من موالي المنصور بن عامر، وكان عملهما مقتصراً على إدارة شؤون الري، لكنهما تمردا، وأعلنا استقلالهما على أن يكون الحكم شراكة بينهما، ولم يلبثا أن توفي أحدهما، فأبعد أهل بلنسية الآخر عن المدينة.

  • تاريخ حضاري

أثناء وقوع المدينة تحت الحكم الإسلامي، شيَّد المسلمون فيها تاريخاً حضارياً مزدهراً، ما زالت آثاره قائمة إلى اليوم، فقد أقاموا فيها مدينة محصنة، محاطة بسور كبير ومتين، اشتمل على ثمانية أبواب ضخمة، وعليه أبراج دفاعية عديدة، ويذكر المؤرخون أن بلنسية في ذلك الوقت كانت تضم مسجداً كبيراً، وداراً للإمارة، وعدداً من الأسواق المزدهرة، وكانت واسعة بأرباضها (الربض هو ما حول المدينة من مساكن ومحلات)، وأحيائها المنتشرة في كل مكان، كما كان بها في عصر الإمارة الأموية في الأندلس مركز إداري، والعديد من المدن والقرى والحصون، وعرفت بصناعة النسيج الكتاني، الذي كان يصدر إلى أقطار المغرب، فضلاً عن منتجاتها الزراعية التي كانت تصدر إلى أنحاء العالم الإسلامي عبر مرساها النشط بحركة السفن التجارية.

هذا التطور الكبير للمدينة في ظل الحكم الإسلامي، أسهم في توسعها، فصارت مدينة جاذبة، ومحطة من محطات التجارة والسكن، وقد كثر سكانها من العرب والبربر، ذلك أنها كانت تتوسط سهلاً زراعياً شديد الخصوبة، يمتد بمحاذاة ساحل المتوسط، ويرتوي هذا السهل من شبكة نهرية تتفرع من النهر الأبيض، الذي يتفرع إلى نهر توريا المسمى (النهر الأحمر) ويصب في البحر المتوسط شمال المدينة.

  • بلنسية والشعر

عرفت بلنسية الكثير من الأعلام والشعراء المسلمين، ومن هؤلاء شاعر بلنسية ابن غالب أبو عبد الله الرصافي، الذي أجاد في وصف مدينته قائلاً:

بَلَنسِيَةٌ تِلكَ الزَبَرجَدَةُ الَّتي

تَسيلُ عَلَيها كُلُّ لُؤلُؤَةٍ نَهرَا

كَأَنَّ عَروساً أَبدَعَ اللَهُ حُسنَها

فَصَيَّرَ مِن شَرخِ الشَبابِ لَها عُمرَا

هِيَ الدُرَّةُ البَيضاءُ مِن حَيثُ جِئتَها

أَضاءَت وَمن لِلدُّرِّ أَن يَشبِهُ البَدرَا

كما ورد ذكر بلنسية في قصيدة أبي البقاء الرندي الشهيرة ب «مرثية الأندلس» والتي يقول في مطلعها:

لِكُلِّ شَيْءٍ إِذَا مَا تَمَّ نُقْصَانُ

فَلَا يُغَرَّ بِطِيبِ العَيْشِ إنْسَانُ

إلى أن يقول:

فاسألْ بَلَنْسِيَةَ ما شأنُ مُرسيةٍ

وأينَ شاطبةٌ أمْ أينَ جيَّانُ؟!

وأينَ قرطبةٌ دارُ العلومِ فكَمْ

مِنْ عالمٍ قَدْ سَمَا فِيها لهُ شَانُ؟!

وأين حِمصُ وما تحويهِ مِنْ نُزَهٍ

ونهرُها العذبُ فيّاضٌ وملآنُ؟!

  • أعلام

أما أشهر أعلام بلنسية فهو ابن الأبّار البلنسي، وهو محمد بن عبد الله بن أبي بكر القضاعي، ولد عام 1199 ميلادية، في مدينة بلنسية، التي ارتبطت به ارتباطاً وثيقاً، وقد حمل نسبها في اسمه، فعرف ب«ابن الأبّار البلنسي»، وهو أيضاً شاعر ومؤرخ من قبيلة قضاعة التي استوطنت ضواحي بلنسية الإسبانية، ويعدّ أحد أنبغ العقول الأندلسية، سطعت شهرته العلمية والأدبية في الشعر وتاريخه، وتدوين الأحداث وفي علم الحديث والفقه.

نال ابن الأبار حظوة لدى المؤرخين والعلماء في زمنه ممن ترجموا له، كالغبريني والمقري وابن العماد وابن خلدون وغيرهم، كما أنه لقي عناية من المستشرقين والكتاب فاقت عناية الأقدمين، ذاع صيته بالعلم والنبل، وفي جودة ما كتب في الأندلس أيضاً، فقد كان الكاتب الأبرز في بلاط أبي زيد الموحدي، والي بلنسية في دولة الموحدين، وقد جمع ثقافة عصره، واتخذه أمير بلنسية محمد بن أبي حفص كاتباً له، ثم أصبح كاتباً لابنه أبي زيد من بعده، ولما تغلب زيان بن مردنيش على بلنسية اتخذ ابن الأبار كاتباً له سنة 626ه، ولما حاصر ملك أراغون (دون خايم) مدينة بلنسية في 635ه/1238م استغاث صاحبها زيان بن مردنيش بسلطان الدولة الحفصية أبي زكريا يحيى بن عبد الواحد الحفصي، وأرسل ابن الأبار مع وفد حملوا إليه البيعة وطلبوا منه المساعدة، وأنشد ابن الأبار أمام السلطان الحفصي قصيدته السينية التي مطلعها:

أَدْرِكْ بِخَيْلِكَ خَيْلِ اللَّهِ، أندلُسَا

إنَّ السَّبِيلَ إلَى مَنْجاتِها دَرَسَا

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/up43k5vz

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"