عادي
الذكاء الاجتماعي

أشيعوا الفرح

23:30 مساء
قراءة 4 دقائق
1
سالم بن ارحمه الشويهي

د. سالم بن ارحمه
الفرح شعور إنساني فطري كغيره من المشاعر، ولكن التعبير عن الفرح يدخل في باب الثقافة المكتسبة. وأول العناصر الضرورية في بناء ثقافة الفرح أن الشعور بالابتهاج والسرور ينشأ من الداخل، من حنايا القلب، ومن استشعار الفرح بفضل الله ورحمته، وكريم إنعامه، ووافر عطائه تعالى، «قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ».

والعنصر الثاني في بناء ثقافة الفرح توخي المشروعية، فالإسلام لا يصادر مشاعر الفرح في قلوبنا. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ بِفِطْرِهِ, وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ».

وعن عائشة، رضي الله عنها، قالت: «دخل عليَّ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وعندي جاريتان تغنّيان بدفّين بغناء بُعاث، وذلك في يوم عيد، فاضطجع على الفراش، وحوّل وجهه إلى الجدار وتسجّى بثوبه، فدخل أبو بكر فانتهرهما، وقال: أمزامير الشيطان في بيت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فكشف النبي وجهه، وأقبل على أبي بكر، وقال: «دعهما، يا أبا بكر فإنها أيام عيد. إن لكل قومٍ عيداً وهذا عيدنا».

ومن مشاهد السرور بالعيد بين يدي النبي، صلى الله عليه وسلم، ما فعله الحبشة، حيث اجتمعوا في المسجد يرقصون بالدرق والحراب، واجتمع معهم الصبيان حتى علت أصواتهم، فسمعهم النبي، صلى الله عليه وسلم، فنظر إليهم، ثم قال لعائشة: «أتحبين أن تنظري إليهم، قالت: نعم، فأقامها، صلى الله عليه وسلم، وراءه يسترها، وهي تنظر إليهم، والرسول، صلى الله عليه وسلم، يغريهم، ويقول: دونكم يا بني أرفدة».

هذه مشاهد الفرح بالعيد ومظاهر السرور والبهجة تقام بين يدي النبي، صلى الله عليه وسلم، فيقرها ويحتفي بها. وفي ذلك توجيه نبوي ومنهج تشريعي تطبيقي لأهمية إشاعة الفرح والسرور بين الناس، لعظم مردودهما النفسي والمجتمعي في بث روح الألفة والمودة والرحمة، وتجديد أواصر التواصل بين أفراد المجتمع.

العَيْدُ وَصْلٌ وإحسَانٌ ومَرْحَمَةٌ

العِيدُ وُدٌّ لِكلِّ النّاسِ تُهديهِ

فإظهار السرور في الأعياد من شعائر الدين، بل إن مقدار فرحِك بالعيد هو مؤشرٌ لمدى التزامك بتعاليمه. قال المولى الجليل: «وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ».

قال ابن عباس، رضي الله عنه، في قوله تعالى: «وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً»، أي عيداً، فإظهار وإشاعة الفرح بالعيد من العبادة التي يثاب عليها المؤمن، فنحن في العيد على موعد مع عبادة (الفرح بفضل الله).

وقد شرعت الأعياد في الإسلام لحكم سامية، ولمقاصد عالية، ولأغراض نبيلة، منها أن تكون فرصة للترويح عن النفس من هموم الحياة، ولتوطيد العلاقات الاجتماعية ونشر المودة والرحمة بين المسلمين، ولكي نشكر الله، تعالى، على تمام نعمته وفضله وتوفيقه في أداء فرائضه، «وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ». وما أجمل أعيادنا تأتينا بعد موسمٍ من الطاعات، تأتي لتفرحنا وتبهجنا بتمام الطاعة؛ لنستشعر جمال الإنجاز والمكافأة الربانية، فكان العيد مناسبة ليفرح فيها الناس بنعمة مغفرة الذنوب ورفع الدرجات وزيادة الحسنات، بعد موسم من الطاعات. وليس السر في العيد يومه الذي يبتدئ بطلوع الشمس وينتهي بغروبها‏، وإنما السر فيما يعمر ذلك اليوم من أعمال‏،‏ وما يغمره من إحسان وإفضال،‏ وما يغشى النفوس فيه من سمو وكمال. ولذا، قيل سُمي العيد عيداً لأنه يعود كل سنة بفرح مجدد، ولأنّ لله تعالى فيه عوائد الإحسان على عباده في كل عام.

وأَقْبلَ العِيْدُ بالأفْرَاحِ مُنْتَشِياً

يا فَرْحَةَ العِيْدِ زُوْرِي كُلَّ أَحْبَابِي

وإذا كان العيد مناسبة لإظهار الفرح والسرور، فهو يشكل فرصة للتدريب على سلوكيات السعادة الدائمة التي لا ترتبط بأيام الأعياد؛ ولن يتحقق ذلك إلا من خلال نشر ثقافة الإيجابية والتفاؤل والابتسامة الدائمة، واعتبار ذلك جزءاً لا يتجزأ من منهاج المسلم، فقد كان النبي أكثر الناس تبسماً. قال الإبراهيمي: «والعيدُ في معناه الزَّمنيّ قطعةٌ مِن الزَّمن خُصِّصت لنسيان الهموم واطِّراح الكُلَف واستجمام القوى الجاهدة في الحياة».

العنصر الثالث هو السعي إلى إدخال الفرحة في قلوب الآخرين، وإشاعة السرور في الجو العام، فالمسلم لا يعيش فرحة العيد وحده، بل يجتهد أن يشرك معه غيره، لا سيما المحرومين من الفقراء والمساكين، ولهذا فرض الإسلام زكاة الفطر من رمضان، «طعمة للمساكين» وليستغنوا عن السؤال يوم العيد وليلته، فيشاركوا المجتمع فرحتهم بالعيد. وفي الحديث: «إنَّ أحبَّ الأعمالِ إلى اللهِ سرورٌ تُدخِلُه على مسلمٍ»، ففي العيد نفوس تتسامح وقلوب تتصافى وأيدٍ تتصافح... ويَتبادَل الجميعُ التَّهانِيَ، فالتَّهْنِئَةُ بالعيد مما يزرع الودّ في قلوب الناس.

ومن مظاهر الفرح بالعيد زيارة الأقارب والأرحام، والتي يجب صلتها في كل وقت لكنها تتأكد في هذه الأيام.

زُوْرُوْا أَقَارِبَكُمْ زُوْرُوْا أَحِبَّتَكُمْ

تَبَادَلُوْا صَفْوَ كَأْسٍ طَابَ رَيَّاهُ

فَالْعِيْدُ رَوْضٌ مِنَ التَّحْنَانِ يَبْعَثُهُ

أَهْلُ الصَّفَاءِ وَعَيْنُ الْحُبِّ تَرْعَاهُ

‏ قال علي الطنطاوي: «العيدُ بدون تسَامُحٍ وتصَافُحٍ؛ هو مُجرَّدُ ورقةٍ على التقويم».

‏وخيرُ ثوبٍ بيومِ العيدِ نلبسُهُ

ثوبُ التسامحِ والغفرانِ للناسِ

أمَّا الحقودُ فلا ثوبٌ يُجمِّلهُ

وإنْ تطرَّزَ ذاكَ الثوبُ بالمَاسِ

فافرحوا بالعيد تعبداً لله، وتطبيقاً لهدي رسول ﷲ، ولنستشعر فرحته ونعيشها مع أسرنا ومجتمعنا بكل فعالياتها ومظاهرها من غير إفراط ولا تفريط، ولنحمد الله على نعمة الأمن والأمان التي حبانا بها المولى، جلّ وعلا. عيدٌ سعيدٌ.

أعادَهُ اللهُ بالإقبالِ مبتسماً

وكلّ عامٍ وأنتمْ بالمسراتِ.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bd5mc7hx

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"