أي مستقبل ينتظرنا؟

00:17 صباحا
قراءة دقيقتين

الانشغال بالحاضر، على قسوته واضطراب دروبه واختلاط أوراقه، لا يجوز أن يلفت الأنظار عما يقوله المشتغلون بمستقبل هذه المنطقة من أبنائها وغيرهم، ولا المقارنة في كل وقت بين تجارب تقطع منذ سنوات الطريق الآمن إلى هذا المستقبل، وأخرى أعدت له عدته وحصّنت صناعته من كل الأخطار.

هذه الخريطة الملتهبة التي نحيا فيها أصبحت أجزاء كثيرة، للأسف، نموذجاً رديئاً لصناعة مستقبل مشوه بفعل عوامل متوالية، داخلية وخارجية، يمكن تبين تأثيرها من الآن في بعض الأقطار التي يغيب فيها الصوت الوطني الواحد لأجيالها الجديدة وانقسامها في التأييد بين قوى متعددة لا تجمع بينها مصلحة وطنية واحدة.

وفي ذروة هذه العوامل هذه الحروب والانقسامات الموزعة على مناطق عدة من خريطة المنطقة، وبعضها من نسل المخططات التي حيكت قبل أكثر من عقد لتغيير ملامحها وتمكين تيارات تكفر بالوطن الموحد الآمن وتنزع عن حدوده وترابه القداسة ما لم يكن تحت إمرتها.

من ثمار ذلك، ضياع الفئة الأكثر هشاشة، وهم الأطفال، إما لتشتت الأفكار التي تتنازعهم، أو تحولهم إلى الوقود الأبرز للحروب الدائرة التي تشعلها أحلام الزعامة أو المغامرات الناشئة عن الارتهان لقوى غريبة عن الجسد العربي.

ما وقع ويقع لأطفال فلسطين في غزة هو الوجه الأصعب لهذا الجرح الغائر في وجه المستقبل المنتظر، إنما لا يمكن مع الاهتمام به نسيان الأوجه الأخرى في السودان، واليمن، وسوريا، وليبيا، والعراق، وغيرها من البلدان التي تدفع منذ سنوات فاتورة باهظة من أطفالها، سواء بنشأة مهتزة، أو غياب ملامح المستقبل، أو الدفع بهم إلى أتون الفتن ليُقتلوا، أو يبقوا أحياء لكن بقلوب تدربت على القسوة واستسهال استباحة دم المخالف.

وعلى هذا يمكن تصور المستقبل الذي ينتظر هذه المنطقة والجراح العميقة التي تهدد ملامحه ما لم تنتصر جهود عقلائها وتعلو تحذيرات المخلصين على صيحات الحرب والإمعان في التجزئة والانقسام.

لا يمكن العبور السهل على فكرة أن شهراً واحداً من قتل الصغار في غزة يساوى عاماً مما تفعله النزاعات كلها حول العالم، وهذا تقدير حقيقي أوردته قبل شهر «الأونروا». وخلصت الوكالة بذلك إلى أن ما يجري في غزة حرب على الأطفال، وهو ما يعني لنا حرباً على المستقبل يجب التصدي لكل صناعها، ليس فقط لوقف آلة القتل التي حصدت، حتى الآن، نحو 34 ألف فلسطيني أغلبيتهم بالضرورة من النساء والأطفال، وإنما أيضاً لضمان فرص الحياة لمن تبقى من الصغار على أمل أن يتوفر لهذه الحياة الشروط الواجبة لمستقبل آمن.

والأمر نفسه لازم في بقية مناطق الفتنة أو الصراع العربية التي طالت أزماتها فأكلت من أكلت من الأطفال، أو تركت الأحياء منهم نهباً لنشأة ضائعة تتعدد فيها الانحيازات والانتماءات التي يصنعها حمقى من الكبار يدمرون المستقبل قبل أن يغادروا.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4k8a6yjk

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"