إلى جانب ثقافته الشعرية الرفيعة، وحسّه الأدبي العميق، يختار الشاعر التونسي المنصف الوهايبي شعريات عالمية صافية، وينقلها إلى العربية بدقة وذوق ومراجعة من أهل اللغة التي ينقل عنها، وهذه أمانة أدبية ليست غريبة على مثقف وشاعر في مثل حساسية الوهايبي، الفائز بجائزة الشيخ زايد للكتاب عام 2020.
.. اليوم، وجدت له ترجمة قصيدة للشاعرة البرتغالية (أديليا لوبيز)، وأتوقف عند القصيدة لغرابتها وكثافة الحزن المخبّأ في قصة هذه القصيدة، وهي بالفعل (قصيدة/ قصّة).
يقول الوهايبي عن الشاعرة إن اسمها (أديليا لوبيز) هو اسم مستعار، واسمها الحقيقي: (ماريا جوزي داسيلفا)، وهنا، تذكرت ولع الكتّاب البرتغاليين بالأسماء المستعارة، وبخاصة، (فرناندو بيساوا) الذي يقال إنه كتب تحت أكثر من خمسين اسماً مستعاراً، أما الشاعر والروائي البرتغالي الحائز نوبل في العام 1998 (جوزيه ساراماغو)، فإن اسم عائلته (ساراماغو) كان خطأ من موظف الأحوال المدنية الذي سجّله (ساراماغو) في شهادة ميلاده، وكان ذلك الموظف حينها ثملاً، فأخطأ، هكذا في اسم العائلة، كما جاء في مذكرات (ساراماغو) الصادرة قبل سنوات في القاهرة.
.. أعود الآن إلى قصيدة الشاعرة (أديليا لوبيز) المولودة عام 1960، ويقول الوهايبي إنها معروفة بحبّها لتربية الصراصير وللقطط.. «التي تهدي إليها كل كتبها».
.. تتحدث الشاعرة عن فستانها البرتقالي الذي ذهبت وهي ترتديه إلى حفلة راقصة لأول مرة، وبقيت طيلة الحفلة جالسة على كرسي لأن أحداً لم يدعها إلى الرقص، وهنا، تعرّفت إليها فتاة مزعجة كما تقول الشاعرة، وفي أثناء الحديث بينهما، أراقت تلك الفتاة المزعجة كأسها على الفستان، «وهكذا فالفستان لم يعد يصلح لشيء إلا لسائر الأيام».
وخلال رحلة قصيرة بالقطار اندلعت شرارة فحرقت الفستان حتى الردن، ومن السهل استبدال الردن، حيث إن أمها تقتني قطعة من القماش البرتقالي.
لم تنته حكاية هذا الفستان المحسود أو المشؤوم عند هذا الحدّ، بل، وفي أثناء جولة الشاعرة على الشاطئ، جلست على صخرة، وإذْ نهضت فجأة، ورأت عاصفة توشك أن تهب علق الفستان بصخرة، وتمزّق..
هنا، مزّقت الشاعرة الفستان كلّه، واحتفظت بالقطع في سلّة الخرق، وبإحدى الخرق خاطت فستاناً لدمية أختها الصغيرة، ثم خاطت فستاناً آخر لابنة دمية أختها، وبالطبع، كانت دمية أصغر..
لاحظ هنا، صديقي القارئ، أن الدمية لها ابنة، وكلاهما، ترتديان الآن الأم والابنة فستانين مصنوعين من تلك الخرق البرتقالية الممزّقة.. وكانت تلك الخرق برمتها فستان الشاعرة..
لاحظ صديقي القارئ أيضاً، كيف ينمو الشعر حتى في القماش.. بل وينمو حتى بين خرق القماش.. وربما هو الشعر الأجمل..
[email protected]
https://tinyurl.com/4bd4ru97