تعود صناعة أجهزة الاتصال اللّاسلكي (البيجر) إلى نحو ثلاثة عقود، وفي أوائل التسعينات ظهر جهاز صغير في حجم علبة السجائر أو أقل اسمه «البليب»، ولم يكن ذلك الجهاز لتبادل الاتصال الصوتي، بل كان يظهر عليه رقم هاتف المتصل فقط، فيقوم حامل «البليب» بطلب الرقم الظاهر على الجهاز، ويرد عليه آنذاك من هاتف أرضي، إذ لم تكن الهواتف الجوّالة قد ظهرت، أو أنها كانت محدودة الانتشار.
هذه الأجهزة الاتصالية البدائية نوعاً ما أصبحت في الثقافة العربية مادة متحفية للفرجة عليها، لكن في إسرائيل كانت هناك هيئة سيبرانية تجمع كل هذه «المتحفيات»، وتفحصها، وتحتفظ بها، وتعيد تدوير صناعتها بالتفخيخ المتفجر كما حدث أمس الأول في اليوم اللبناني السوريالي.
ولنأخذ الموضوع من زاوية معرفية تتصل بالثقافة السيبرانية في حدّ ذاتها، وهي على المستوى العربي ثقافة محدودة إن لم تكن غير موجودة، وإن كانت موجودة فعلاً، فهي غير مفعّلة، وليست وسيلة هجومية أو دفاعية، كما هو الحال عند الإسرائيليين.
هل نفتقد إلى كتب ودراسات وبحوث أجنبية أو مترجمة إلى العربية تضعنا في مواجهة الحرب السيبرانية القادمة لا محالة وفي وقت قريب؟ الجواب لا، فلدينا على الأقل كتابان مهمّان جداً، أرجو أن يسارع القارئ العربي إلى قراءتهما لكي يخرج بإجابات علمية ردّاً على الأسئلة المفاجئة التي وجد نفسه أمامها أمس الأول. الكتابان صدرا في الكويت، الأول بعنوان: «تاريخ المخابرات من الفراعنة حتى وكالة الأمن القومي الأمريكية» للباحث الألماني وولفغانغ كريكر المتخصص في تاريخ الأجهزة الأمنية، ونقله إلى العربية عدنان عباس علي، وصدر الكتاب في إبريل/نيسان 2018، أما الكتاب الثاني فبعنوان «المنطقة المعتمة.. التاريخ السرّي للحرب السيبرانية» للصحفي الأمريكي فرِدْ كابلان المتخصص في شؤون الأمن القومي، ونقله إلى العربية لؤي عبدالمجيد، وصدر الكتاب في مارس/آذار 2019.
والكتابان صدرا ضمن سلسلة «عالم المعرفة» في الكويت، وهما متوفران في معارض الكتب العربية، والكثير الكثير من الإجابات على أسئلة تفجيرات يوم «البيجر» في لبنان موجودة في هذين الكتابين.
بعد قراءتك لهذين الكتابين، ستنظر تلقائياً وبطريقة ليست وسواسية تجاه كل ما هو كهربي وتكنولوجي في بيتك من التلفزيون إلى الثلاجة إلى الغسالة إلى «الميكرويف» الذي تسخن به طعامك، وحتى سيارتك الكهربية الآلية التي تسير بلا حاجة إلى قيادة، مروراً ب «البلاي ستيشن» الذي يلعب به ابنك، إذ كلها قد تخضع سيبرانياً غداً أو بعد غد إلى تدوير علمي تكنولوجي يفخخّها كما جرى لتفخيخ بيجرات قديمة «متحفية» قتلت وجرحت آلاف البشر.
هل تنقذنا الكتب والدراسات السيبرانية؟ ربما، وإذا لم تفعل، فعلى الأقل، تفتح أعيننا على ما حولنا قبل هجمة الشظايا النائمة.
[email protected]
https://tinyurl.com/bderuk8u