يبني الكاتب التشيلي أنطونيو سكارميتا رواية عذبة صغيرة على حياة الشاعر بابلونيرودا التي أمضاها في بلدة إيسلانيغرا في سعادة قصوى مع زوجته ماتيلدا، أما بطل الرواية فهو ساعي بريد تلك البلدة، اسمه: ماريو خيميث، يحمل البريد يومياً إلى نيرودا ولعلّه الوحيد في القرية الذي يتلقى بريداً يومياً، ومن حسن حظ ساعي البريد أنه ينقل البريد إلى نيرودا، لتنشأ في ما بعد صداقة بين الشاعر وساعي البريد.
لن أكمل بقية الرواية الخفيفة الظل والدم، والتي نقلها إلى العربية بخفة جميلة أيضاً صالح علماني، لكي أترك القصة الباقية للقارئ، وأتوقف عند الهدية التي بعث بها نيرودا بالبريد إلى ماريو خيميث بعدما انتقل إلى باريس سفيراً لبلاده، وكانت الهدية مسجلة صغيرة من ماركة يابانية، ومعها رسالة صغيرة إلى صديقه ساعي البريد يطلب منه تسجيل الأصوات في بلدته آيلا نيغرا، وبالطبع، لا تنس صديقي القارئ أن كل هذه الحكاية ما هي سوى جزء من رواية وليس بالضرورة أن تكون تفاصيل الرواية وقائع حقيقية.
ولكن، ماذا طلب نيرودا (الشخصية الروائية) من صاحبه خيميث. أي أصوات كان يريد تسجيلها؟ وماذا قال له في الرسالة؟
قال له إن باريس رائعة الحسن، ولكنها بذلة واسعة جداً على مقاسي، وشكا له من الشتاء والرياح والثلج، «الرياح التي تذرو الثلج مثلما تذرو طاحونة الدقيق»، الأمر الذي يجعل الشاعر مثل ملك حزين بعباءة بيضاء.
طلب نيرودا من صاحبه أن يبعث له بأصوات بيته في بلدة إيسلا نيغرا قال له ادخل إلى الحديقة واقرع الأجراس وأخبره أن يسجل أولاً ذلك الرنين الذي وصفه بالنحيل الذي تصدره الأجراس الصغيرة عندما تحركها الرياح وأن يسجل صوت ارتطام الأمواج على الصخور، وقال له: إذا سمعت نوارس فسجّل صوتها أيضاً، والغريب أن الشاعر في الرواية طلب من صديقه ان يسجّل حتى صمت النجوم، وقبل ذلك طلب منه ان يتمشى دائماً في إيسلا نيغرا بآلة التسجيل، وفي الأخير قال له أرسل إليك تسجيلاً يعود إلى عام 1938، ويقول إنه تسجيل منسي وجده في دكان أسطوانات مستعملة في الحيّ اللّاتيني، ويقول له: كم من المرّات غنّيتُ هذه الأغنية في شبابي.
هل الحياة حياتي، وحياتك وحياة الآخرين، حياة صديقك وحياة عدوّك، حياة الطاغية، وحياة الإنسان في أقصى درجات ضعفه وانكساره واستسلامه؟ هل هذه الحَيَوات ما هي سوى مجموعة سجل أصوات؟ وهل نحن كبشر وآدميين لسنا سوى أصوات؟.
[email protected]
مقالات أخرى للكاتب




قد يعجبك ايضا







