ثلاثة كتب أراها من أهم «لزوميات» الصحفي الثقافي الذي يمتلك كل عناصر الحوار حين يتحوّل إلى سيرة ذاتية، وذاكرة، ومصفوفة مواقف وأفكار، ومؤشرات إلى كتب يدلك إليها من تحاوره، وأكثر من ذلك، حين يتحوّل الحوار الصحفي الثقافي إلى ما يشبه الحكاية أو الرواية أو قطعة أدبية صافية، وكل ذلك، من خلال السؤال والإجابة عنه، ولكن، أي سؤال، وأي إجابة؟ هنا كما يقولون مربط الفرس.
ولكن، ما هي هذه الكتب الحوارية التي أعتبرها «مدرسة» في فن الحوار: إنها مباشرة، الحوارات مع جان جُنيه المجموعة في كتاب «شعرية التمرّد» من إعداد وتقديم د. مالك سلمان، وحوارات شاكر نوري مع ٣٠ كاتباً فرانكفونياً أجراها على مدى ٢٧ عاماً أمضاها في باريس، وجمعها في كتاب اختار له اسماً جميلاً: «حدائق موليير»، والكتاب الثالث: «بيت حافل بالمجانين»، وهو مجموعة حوارات نشرت في مجلة «باريس رفيو» ترجمها إلى العربية، وقدّم لها المترجم والشاعر أحمد شافعي.
عملياً، أنت قرأت نحو ٥٠ حواراً مع كبار كتّاب العالم، النوبليين منهم وغير النوبليين إذا امتلكت هذه الكتب، وأنت محظوظ أكثر إذا عثرت على جميع الحوارات المنشورة في «باريس رفيو»، المجلة التي تأسست في عام ١٩٥٣.
يقول أحمد شافعي: «كان أوّل سؤال وَجّهته «باريس رفيو» إلى الروائي الياباني كنزا بورو اويه في حوارها معه عمّا إذا كان محاوراً جيداً»، ويقول شافعي إن اويه قد أجرى في صدر شبابه عدداً من الحوارات مع الزعيم الصيني ماوتسي تونغ، والفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر، ويرى اويه أن المحاور الجيد هو الذي يكشف عن شيء لم يسبق أن قاله ضيفه من قبل.
في هذه الحوارات عبر هذه الكتب، يظهر للقارئ أن نوعاً من الصداقة ينشأ ولو سريعاً بين طرفي الحوار: الصحفي، والكاتب، أما سرّ الحوار، أو أحد أسراره، إنما يقع في المنطقة التي يأخذ فيها الضيف بالاسترسال والتداعي، بخاصة حين يعود إلى طفولته، ويعود تحديداً إلى الشخصيات التي كانت مؤثرة جداً في حياته: الأب، الأم، الجدّة والجدّ.
أضيف إلى هذه الباقة الكبيرة من الحوارات كتاباً رابعاً هو حوار واحد، ولكنه يقع في كتاب جاء بعنوان «رائحة الجوّافة». حوار مطوّل يشبه الرواية أجراه الصحفي بيلينيو ابوليو مندوزا مع غابرييل غارسيا ماركيز، ورغم صغر حجم الكتاب (١٤٠ صفحة، ونقله إلى العربية فكري بكر)، إلا أنه يحيط بكل حياة صاحب «مئة عام من العزلة»، بل لعلّ (الحوار- الكتاب) هذا يساعد على قراءة كل أعمال ماركيز.
اليوم، هل انتهى زمن الحوار الصحفي الثقافي الشمولي، السردي، والبحثي، والاستقصائي، أم أن الكبار من الكتّاب في العالم تساقطوا في الغياب، والأكثر أسىً من ذلك أن المنابر الحوارية الكبيرة من مجلات وصحف ودوريات ثقافية أصبحت ترى في الحوار هامشاً صحفياً لا لزوم له.
https://tinyurl.com/2p9tudmu