جولة ترامب.. و«اللحظة الخليجية»

00:34 صباحا
قراءة 4 دقائق

تُعد الجولة الخليجية للرئيس الأمريكي، دونالد ترامب (13-16 مايو الجاري)، عملياً أول رحلة خارجية له منذ تنصيبه، باستثناء مشاركته في مراسم جنازة بابا الفاتيكان، في 25 إبريل (نيسان) المنصرم.
والواقع أن تنفيذ هذه الجولة الخارجية الأولى لرئيس أمريكي إلى السعودية وقطر والإمارات قبل حلفائه التقليديين في أوروبا الغربية، أو دول المحيط الإقليمي، أو إسرائيل يحمل دلالات تتعلق بالأهمية الاستراتيجية والاقتصادية لدول الخليج بالنسبة إلى الولايات المتحدة، واهتمامها بالدور الخارجي المتنامي لدول مجلس التعاون الثلاث في الإسهام في تحقيق الاستقرار الإقليمي والدولي.
وتتضمن الزيارة ملفاتٍ اقتصادية وسياسية واستراتيجية مهمة للطرفين، أهمها الشراكة الاقتصادية الخليجية-الأمريكية، المفاوضات النووية الأمريكية-الإيرانية، والصفقات الدفاعية، وحرب غزة، والملف السوري، والاتفاقيات الإبراهيمية، وحرب أوكرانيا. وقد تداولت القمة الخليجية-الأمريكية في الرياض هذه الملفات أيضاً.
بادئ ذي بدء، رسخت زيارة ترامب إلى السعودية الشراكة الاقتصادية بين دول مجلس التعاون، والسعودية بشكلٍ خاص، والولايات المتحدة، عبر اتفاقيات واستثمارات مشتركة بلغت نحو 600 مليار دولار، من الجانب السعودي وحده، في مجالات متنوعة، بدءاً من الدفاع والطاقة وصولاً إلى الذكاء الاصطناعي، مع تعهد سعودي برفع حجم هذه الاتفاقيات والاستثمارات إلى تريليون دولار خلال الأشهر المقبلة.
وثمة التزامات استثمارية قطرية وإماراتية بمليارات الدولارات سوف يُعلن عنها خلال زيارة ترامب لكلٍ من الدوحة وأبوظبي. فقد تعهدت دولة الإمارات باستثمار 1.4 تريليون دولار في الولايات المتحدة على مدار السنوات العشر المقبلة، في مجالات البنية التحتية للذكاء الاصطناعي، وأشباه الموصلات، والطاقة، وغيرها. وخلال زيارته إلى المنطقة، أصدرت شركة الرئيس دونالد ترامب إعلانين حول مشاريع عقارية، تتكلف مليارات الدولارات، في الإمارات وقطر. كما أعلن الرئيس الأمريكي نفسه تلقي البنتاغون «هدية مجانية» من قطر، هي طائرة بوينغ 747، قُدِّرت قيمتها ب 400 مليون دولار، ووصفت بأنها «قصر في السماء»، بغرض استعمالها مؤقتاً كطائرة للرئاسة الأمريكية.
علاوة على ذلك، تتصدر المعدات والخدمات العسكرية المتطورة - بما في ذلك طائرات الجيل الجديد المقاتلة، وأنظمة الدفاع الجوي، والطائرات المسيرة والقدرات الفضائية وأنظمة المعلومات والاتصالات - قائمة طلبات دول الخليج. وفي هذا الخصوص، شهدت الرياض توقيع أكبر اتفاقية دفاعية سعودية-أمريكية في التاريخ، بقيمة نحو 142 مليار دولار. ومن المحتمل أن تُعقد صفقات عسكرية مماثلة مع قطر والإمارات.
وقد ناقش الرئيس ترامب مع قادة دول مجلس التعاون مدى التقدم في المفاوضات الأمريكية-الإيرانية «غير المباشرة» منذ 12 إبريل (نيسان) المنصرم باتجاه التوصل إلى اتفاقٍ جديد بخصوص البرنامج النووي الإيراني، واستمع لوجهات نظرهم في هذا الشأن. وعلى عكس مفاوضات 2015 التي أفضت إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، تتقاطع رغبة الرئيس الأمريكي مع رغبة دول الخليج في إنجاح المفاوضات والتوصل إلى اتفاقٍ نووي جديد يقي المنطقة مزيداً من الاضطراب وعدم الاستقرار جراء المواجهة الخطِرة المحتملة بين إيران وحلفائها من ناحية والولايات المتحدة وإسرائيل من ناحية أخرى. فبالإضافة إلى المساعي الحميدة التي تبذلها سلطنة عُمان بين الولايات المتحدة وإيران، هناك دور إماراتي وسعودي في تسهيل تبادل الرسائل والاتصالات وتهدئة بعض المواقف بين الطرفين.
علاوة على ذلك، تمت مناقشة أهمية وقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، والإفراج عن الأسرى الإسرائيليين، وإدخال المساعدات إلى القطاع الذي يختبر كارثة إنسانية لم يشهدها العالم الحديث، عن طريق طرح آلية جديدة لإدخال المساعدات إلى القطاع الفلسطيني تحكمها أو تُديرها الولايات المتحدة، وتستبعد منها حركة حماس. ولأول مرة، يتم تسريب موافقة الولايات المتحدة على استمرار بقاء حماس في غزة، وتقديم تعهدات بحماية مسؤولي الحركة من الاغتيالات الإسرائيلية، على أن تكون هناك إدارة دولية وعربية مقادة أمريكياً للقطاع بعد الحرب. وبطبيعة الحال، تداول القادة الخليجيون والرئيس الأمريكي في قمتهم بالرياض ضرورة الانسحاب الإسرائيلي الكامل على مراحل من غزة، وتأمين الحصول على دعم مالي لإعادة إعمار القطاع الذي دمرته الحرب. ومن المفارقة، وبفضل النفوذ الخليجي، لم يثر ترامب في جولته الخليجية حتى الآن قضية تهجير سكان غزة التي تعارضها دول مجلس التعاون بشدة!
وطبقاً للمراقبين، كانت الاتفاقيات الإبراهيمية بنداً آخر على جدول أعمال جولة ترامب الخليجية. ومن المرجح أن يحث ترامب السعودية للانضمام رسمياً إلى الاتفاقيات الإبراهيمية، وتؤكد الأخيرة على رهن تطبيعها مع إسرائيل بإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية.
وكانت مسألة إعادة إدماج سوريا في ظل حكم الرئيس الشرع في النسقين الإقليمي والدولي، التي تقودها دول الخليج، خاصةً السعودية، وإعادة ضبط أو تطبيع العلاقات الأمريكية-السورية على جدول أعمال زيارة ترامب إلى الرياض. وربما كان الإعلان ال «كبير جداً»، الذي وعد ترامب بالإفصاح عنه في السعودية، يتعلق برفع العقوبات عن سوريا، ولقائه الرئيس السوري الذي يزور الرياض لحضور اجتماعات مع مجلس التعاون الخليجي.
وفي جولته الخليجية، يسعى ترامب إلى استغلال «لحظة الخليج» والدفع باتجاه وساطة خليجية (سعودية-إماراتية) أكثر فعالية لإنهاء حرب أوكرانيا، خاصةً في ضوء تعتر الجهود الأمريكية حتى الآن لوقف إطلاق النار، فضلاً عن إنهاء الحرب.
وإذا نجحت جهود الرئيس الأمريكي الدبلوماسية، بالشراكة مع قادة دول الخليج، في تسوية الصراعات الإقليمية والدولية، يكون قد ابتعد عما أصبح يرتبط به وهو التركيز على جانب المعاملات في السياسة الخارجية.

[email protected]

عن الكاتب

كاتب متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الجيوسياسية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"