الشارقة: علاء الدين محمود
تباينت وجهات نظر الكتّاب والناشرين الذين تحدثوا إلى «الخليج»، في ما يتعلق بظاهرة «الأكثر مبيعا»، حيث عقدوا مقارنة بين ما يجري في الواقع الثقافي العربي، وما يحدث في الغرب، ورأوا أن من الضروري أن تكون هناك معايير حقيقية بدلا من صناعة الفقاعات والأرقام غير الحقيقية، وأشاروا إلى مشهد القراءة عربيا وضرورة الاهتمام به أكثر.
ممارسات
الناشر والكاتب علي الشعالي مؤسس «دار الهدهد»، للنشر والتوزيع، أكد على غياب الآليات التي ترصد المؤلفات الأكثر مبيعا في كل العالم العربي، ولكن هناك بعض الدول لها وسائلها ومقاييسها مثل الإمارات حيث ان المكتبات تقدم كشوفات حساب تعطي فكرة عن واقع السوق، وفي كل الأحوال فإن هذه العملية يشوبها في بعض الحالات بعض الممارسات مثل الغايات التجارية ومصالح المكتبات، فتلك عوامل تتحكم في جانب المؤلفات الأعلى مبيعا.
وأوضح الشعالي أن الظواهر التي تتشكل من حين إلى آخر والتي تفيد بوصول إصدارات معينة إلى قائمة الكتب الأكثر مبيعا لا تقوم بلا أسس فقد تكون بالفعل قد حققت مبيعات جيدة، ولكن بطبيعة الحال فإن الأمر لا يخلو من بعض الممارسات السلبية، فبعض الكتب تحمل جملا ترويجية براقة مثل «الطبعة الأربعون»، ومن يضع مثل تلك الجمل هم الناشرون أنفسهم، بالتالي فإن دار النشر هي التي تحدد إن كان ذلك الأمر حقيقيا أو غير ذلك.
ولفت الشعالي إلى أن بعض الناشرين يحاولون تبرئة ذممهم من خلال توضيح الجمل الرنانة التي يكتبونها في أغلفة الإصدارات، مثل أن هذا الكتاب بيع منه في الطبعة الأولى ألف نسخة، وفي الثانية رقم معين وهكذا، وهذا جيد مفيد لجهة الشفافية.
وذكر الشعالي أن الاحتفاء بكتاب معين هو أمر جيد ويصنع بصيص أمل في هذا العصر الذي تطغى فيه وسائل أخرى غير الكتب والمؤلفات مثل وسائل التواصل الاجتماعي، حيث باتت مثار اهتمام البشر، لذلك فإن لهذه القوائم أوجهاً مفيدة، فهي تحتفي بالقراءة، وعلى كل حال فإن المقروئية أعلى بكثير من مثل هذه القوائم ويجب ان تقاس بأدوات أدق، بحيث لا يطغى الكم على الكيف.
وشدد الشعالي على أن «الكيف» أو النوعية هي التي تدل على المستوى الجيد من التلقي، أي الكتب ذات المحتوى والمضمون المتميز، فلا بد من الاهتمام بالمحتوى حتى تكون القوائم حقيقية ومفيدة.
ونوّه الشعالي بأن الأمر مختلف في الغرب، فعلى سبيل المثال فإن قوائم «نيويورك تايمز»، تنهض على روافع حقيقية يشارك فيها خبراء ومثقفون ومحررون أدبيون متخصصون، بالتالي فإن قائمة «الأعلى مبيعا»، تكون نتاج إحصاءات محكمة، وبالتالي هذا مستوى آخر من الترشيحات لا يقوم على التوزيع.
نظم
أما الكاتبة والناشرة صالحة غابش صاحبة دار «صديقات»، للنشر والتوزيع، فقد أشارت إلى أن ظاهرة الكتب الأعلى مبيعا قادمة من الخارج ربما من الغرب وأمريكا، ولها آلياتها ونظمها هناك. وتلفت غابش إلى أن ثقافة القراءة في الغرب أكبر، وهناك قاعدة واسعة للقراء، وأن معظم هذه الكتب الأعلى مبيعا يتناولها كتاب ونقاد مهمون تحدثوا عن أهميتها بالتالي هي مؤلفات تجد قبولا لدى القارئ الغربي.
وتوضح صالحة غابش أنها لا تدري حقيقة ماهي المعايير التي يتم الاستناد إليها لتحديد الكتب الأكثر مبيعا في العالم العربي، ولا يبدو أن المقاييس نفسها واضحة، ربما دار النشر وربما الترويج والدعاية والإعلان، ولكن إلى مدى هناك أعداد كبيرة من الإصدارات بحيث يصبح الكتاب المعين بشكل فعلي هو الأكثر مبيعا؟ فإذا كانت هناك دار نشر أصدرت ألف نسخة من كتاب وبيع منه مئتا نسخة بينما باقي الكتب في ذات الدار بيعت منها أعداد قليلة فإن دار النشر هذه ستقول إن الكتاب الأول هو الأعلى مبيعا.
وتشدد صالحة غابش على العديد من الوسائل التي لا تبدو دقيقة في تحديد الكتاب الأعلى مبيعا، وهل الإصدار الذي تنشره دار محددة سيكون الأكثر مبيعا على مستوى الدار نفسها أم الدولة كلها؟ أم على المستوى العالمي؟ وتلك أشياء تؤكد على ضرورة المعايير والدقة العلمية وأهمية وجود قاعدة بيانات ومرجعيات يتم الاستناد اليها في تحديد المؤلفات التي تحتل مكانة الصدارة من حيث المبيعات. وذكرت صالحة غابش أن الكتاب الأعلى مبيعا قد لا يكون ذا قيمة معرفية كبيرة وربما لا يضيف الشيء الكثير للقارئ.
تهويل
القاص والكاتب المسرحي والناشر محسن سليمان صاحب دار «العنوان» للنشر والتوزيع، أكد على وجود «تهويل» ومبالغات في القوائم العربية للمؤلفات الأكثر مبيعا خاصة مع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وصار الجميع يشارك في تحديد ما هو المؤلف الأفضل، وهناك بعض الكتب تدخل في قائمة الإصدارات عالية المبيعات وهي بلا قيمة معرفية حقيقية.
ولفت سليمان إلى أن هذه الظاهرة «الأعلى مبيعا»، كانت موجودة في السابق، وكانت تشارك فيها الصحف والمجلات والمكتبات وبعض المراكز الثقافية، أما اليوم فإن الكثير من غير المختصين يشاركون في صناعة هذه القوائم في مواقع التواصل الاجتماعي.
وبالنسبة لسليمان فإن الجوائز الكبرى مثل القائمة الطويلة للبوكر العربي، تصلح لأن تكون قائمة للكتب الأفضل في مجال الرواية وبالتالي الأكثر مبيعا، فالجوائز تمنح المؤلف مساحة كبيرة من الانتشار والترويج مما يجعل القراء يقبلون عليه، وكذلك تفعل معارض الكتب التي تصنع قوائم بالكتب التي بيعت بشكل أكبر.
ووفق سليمان فهذه القوائم تحفز الى عملية القراءة، فبعض القراء لا يقبلون على الكتاب المعين إلا بعد الإشادة به والترويج له، كما أن عدم وجود محتوى جيد، يجعل القارئ في انتظار الإعلان عن مؤلفات جيدة من أجل أن يتحمس للاطلاع عليها.
فقاعات
من جانبها فإن د. مريم الشناصي صاحبة دار «الياسمين» للنشر والتوزيع، أكدت على أن موضوع التسويق يحفل بالكثير من المبالغات، فبعض الدور تطبع 100 نسخة وتبيع منها 50 لتقول إن هذا الكتاب حقق أعلى المبيعات، أو تصرح الدار المعنية بأن كل الطبعات لديها من كتاب معين قد نفدت، بينما لا يتجاوز المطبوع من ذاك الإصدار سوى عدد قليل. وبحسب مريم الشناصي فلا توجد مؤسسات متخصصة في رصد المؤلفات الأكثر مبيعا، كما لا توجد آليات ومقاييس لذلك الأمر، وكل ما يحدث هو مجرد اجتهادات، حيث ان المؤسسات الثقافية لا تولي هذا الأمر أهمية كبيرة، وكل ما يتعلق ب«الأعلى مبيعا»، هو مجرد فقاعات تسويقية.
وأوضحت مريم الشناصي أن مواقع التواصل تلعب دورا كبيرا في الترويج لبعض المؤلفات، وهذا الأمر يجد صدى لدى القراء الذين يقبلون على قراءة تلك المؤلفات المشار إليها في تلك المواقع.