هل أيقنتَ أن ثلاثة الأرباع المتبقّية من القرن الحالي توجب تغييراً في طرائق أداء أدمغتنا، في العلاقات الدولية، والتعاون البينيّ في جميع المستويات؟
العالم مقبل على نظام عالمي جديد. أرأيتَ كيف أن ما نوى بوش الأب فرضه بالقوة، وما آل إليه الخيال السياسي المتفلسف لدى فوكوياما، في أوهام «نهاية التاريخ»، وغيرهما كثير، كلها كانت صروحاً من خيال سوف تهوي.
من هنا ندرك المعضلة المتمثلة في تكوين العقل العربي. من المفارقات الساخرة أن لدينا في ثقافتنا المعاصرة كوكبة من المفكرين، أهدوا إلى العالم العربي مكتبة نفيسة، تأثيرها المحسوس الملموس الفعلي لا يتعدى أنك إذا ذكرتَ الفكر العربي وتكوين العقل العربي قفز إلى ذهنك محمد عابد الجابري، وهشام جعيط، ومحمد أركون، ومحمد جابر الأنصاري... أمّا بماذا كافأهم العرب مشرقاً ومغرباً، فلا حياة لمن تنادي.
رجاءً، لا وقت للمزاح، فلا تقل إن الرياضيات أولى بمعالجة المجهولات، فأين التكوين؟ وعن أيّ مشتركات في الفكر والتفكير والسلوكيات نتحدث، حتى نستبين وجود عقل جمعي يلعب دور المايسترو؟
المحذور المحظور هو أن يظن المفكرون والمثقفون العرب أن مجال الوقت مفتوح على مصراعيه لترك الأيام تفعل ما تشاء. ألم يدرك أهل الشأن، حتى الساعة، أن الأيام طوال التاريخ الحديث كانت لها قمرة قيادة مسلحة بكل علم وكل قدرة؟ عيون الكوكب في الجهات الأربع تشاهد وقائع أكثر من قرنين من العربدات على ديار ميراث سبعة قرون من الحضارة الإسلامية، وفي الخلفية طبقات تاريخية من أعرق ما عرفت البشرية من حضارات.
قبل إعداد خطط الثقافة الاستراتيجية التي تؤهل العالم العربي لإطلاق تنمية حافلة بالمصالح البينيّة، تُمكّن من النهوض واللحاق بدنيا الغد، يجب قبل كل شيء العمل الجادّ على وضع أسس لتكوين فكر عربي وعقل عربي. أليس ما نراه في بلاد العُرْب أوطاني اليوم أكبر برهان على أن ما أخذته الشعوب العربية عن الغرب لم يصنع إرادة تنموية؟ الوجه الآخر من عُملة الهوية إنما هو انفصال مطلق عن الماضي. يجب الاعتراف الصادق بأن العرب اليوم لا يشبهون الحضارة الإسلامية، ولا حضارات قدمائهم العريقة. مستقبلاً، سيكون التعامل مع قمرة القيادة العالمية الجديدة أصعب.
لزوم ما يلزم: النتيجة الفكرية: على المفكرين العرب، قبل الزهو بقدرتهم على فهم كتاب «نقد العقل الخالص» لإيمانويل كانط، أن يؤسسوا لثقافة تسدّ الفجوة الغذائية، وتضمن الأمن القومي. عندها تحلو الفلسفة.
عن الكاتب
المزيد من الآراء
مقالات أخرى للكاتب
قد يعجبك ايضا
