مآلات إحياء التراث

00:15 صباحا
قراءة دقيقتين

هل توجد قضية في شأن التراث العربي، أهم من هذا المبحث؟ التراجيكوميديا، هي أنه على الأرجح، سيان أن ندّعي امتلاك الحل، وأن نحاكي النعامة. لا يمكن الإحساس بوزن المشكلة إلا إذا وضعناها في إطارها المستقبلي، سنة 2050 فصاعداً.
ليس أول مرة يطرح القلم هذه القضية، التي هي شجن وشجى بكل الأبعاد الفكرية والوجدانية والعاطفية. أسوأ ما في هذا المأزق الذي وصل إليه ميراثنا الأدبي، تحديداً لكونه منظومة إبداع عبر القرون، هو أن الذين كانوا قادرين على التمام من أصحاب الفكر والأدب، تناولوا النصوص نقداً وتحميصاً، ولكنهم لم يستثمروها في بناء أسس لإطلاق ألوان من الإبداع العصري في ميادين الحياة كافة، مثلاً، مثلما فعلت الصين واليابان.
لم يعد ثمة مجال زمني، ولمن يعد هذا تثبيطاً للعزائم، أن يقوّم ما اعوج من رأي القلم. تذكيراً بجملة في العمود أمس، مع اختلاف الموضوع: نحن «في قلب الانتقال إلى نموذج فكري (باراديجم) جديد، ونظام بيئي (إيكوسيستم) مختلف، هو حضارة رقمية». بإيجاز: حياتنا كلها في جوال في شبكة، هذا هو نموذجنا الفكري في نظامنا البيئي الجديد.
في عهد طه حسين، العقاد، أحمد أمين، الزيات، الرافعي.. كان في الإمكان استخلاص منظومة نظرية فكرية، سياسية، اقتصادية، بمعنى إيديولوجيا تنموية حضارية متكاملة لها جذور ثقافية، حتى لا يشعر الناس بأنهم معلقون في الهواء أو في سقوط حر بلا قرار، فيسألوا: لماذا نرى الياباني حتى شرب الشاي عنده كأنه طقوس عبادة؟ لماذا الصيني يتنفس على إيقاع إملاءات كونفوشيوس؟ 
بالنسبة إلى العرب: في حقبة أدبائنا الأجلاء كان العالم مختلفاً. كان فيه مجال لتشق البلدان، خصوصاً عند التكتل، طريقاً متفرداً. إذا شرعت نخبة اليوم في ذلك، فبعد ثلاثين عاماً لن ترى الدنيا كما كانت تعرفها. الصراعات ستكون أشرس ألف مرة؛ لأن أسباب التقدم أشد تطوراً ألف مرة. تحديث رؤية المتنبي القائل: «أعلى الممالك ما يُبنى على الأسلِ»، هو أن الحل في شق درب حضاري من خلال التنافس العالمي في أسباب التقدم بفضل إنتاج العلوم. التنافس لا يعني الصراع من فعل صرع والقتال من قتل، إنه طبيعة الحياة منذ الحروف الأربعة في الحمض النووي. منظومات القيم تستطيع ترويض عربدة الغرائز.
لزوم ما يلزم: النتيجة الإقدامية: لا بد من اختراع التفرد: «تأخرت أستبقي الحياة فلم أجد.. حياة لنفسي غير أن أتقدما».

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"