إشارات الآفاق الثقافية

هل فكرت قليلاً في أن مستقبل الثقافة سيكون على كف عفريت رقمي؟ ما لم يخطر على بال الكثيرين من المثقفين هو أن مفاهيم مكوّنات الثقافة ستتغيّر، بفعل التحوّلات الجذرية التي ستظهر في طبيعة الإبداع أوّلاً، وتالياً في شكله ومضمونه، على الأرجح. قد يبعث هذا الكلام المتسرعين إلى القهقهة، لا بأس، فالصدمة الشديدة لا يشعر المرء بها إلاّ عندما تبرد.
قلت للقلم: كن مهذّباً، إن الثقافة حساسة، والبلغاريون يقولون: «الحسناء لا تُرشق حتى بالورود». قال: على المثقفين أن يستيقظوا، وإلاّ وجدوا أنفسهم خارج الحلبة. نبدأ بالأيسر: هل تتابع ما وصلت إليه الترجمة الحاسوبية من تطور مذهل في جل الميادين ذات المعاني الواضحة الدقيقة؟ للأسف، العربية حظها أقل. في جزء من الثانية يُترجم النص العلمي، الجيوسياسي، الاقتصادي... لله درّها أقلاماً ذكيّة اصطناعية. الترجمات الأخرى هي الأخرى خوارزميات، آتية. صار في الإمكان، نظرياً، أن تغذّي الاصطناعي بالأعمال الكاملة لتولستوي، أو بلزاك... وتقول له: اصنع مثل هذا. حينئذ على غير المصدّق أن يفيدنا: كيف استطاع الذكاء الاصطناعي، الذي لم يبلغ حتى عامه العشرين، أن يكمل سيمفونية بيتهوفن العاشرة، بينما لم يُطعموه سوى مجموعة الرباعي الوتري للموسيقار الأصم؟ الاصطناعي يحبو الآن، فكيف إذا شبّ عن الطوق، واشتدّ عوده وصدح: أنا ابن جلا الخوارزميات، وطلاّع البرمجيات؟ الرسم لعبة الجرافيك، والنحت في عهدة الطباعة الثلاثية الأبعاد.
عن أيّ مستوى في القيم الثقافية نتحدث، حين يكون بين ظهور الإنسان العاقل «هومو سابيانس» وبيتهوفن، ثلاثمئة ألف سنة، وبين ظهور الذكاء الاصطناعي وإكمال السيمفونية العاشرة لبيتهوفن عشرون سنة؟ الشاعر المسرحي كورناي، لم يكن يوماً يتخيل روعة مقولته: «القيمة لا تنتظر أبداً عدد السنين». هل عدنا إلى «الاستفزاز» الفكري الأول؟
 الرقمي سيغير الحياة، فيغير المفاهيم، فيغير الوسائل والغايات، بالتالي سيغير الثقافة. يجب أن يكون الاستيعاب بسيطاً منهجياً: أيّ موسيقي بشري يصغي إلى مجموعة من أعمال بيتهوفن، فيستطيع أن يكمل سيمفونيته العاشرة غير المكتملة؟ معنى ذلك أن الخوارزميات ستكون طاقة إبداع. ستصنع في البداية، وسترتقي حتماً إلى الإبداع. يقول المفكر الفرنسي أندريه مالرو: «الفن هو ما يجعل من الشكل أسلوباً». على المثقفين إدراك أنه حان وقت التفكير في أن من يمتلك مقاليد الرقمي، سيكون قادراً على إبداع معنى جديد للإبداع.
لزوم ما يلزم: النتيجة الإيقاظية: إذا فاتنا استيعاب رمزيات الثقافة الماضية، فهل نلتقط إشارات ثقافة المستقبل؟
[email protected]