عادي

الروائية غادة خوري: نحن في حاجة إلى قضاة في الأدب

20:16 مساء
قراءة 5 دقائق
غادة خوري

الشارقة: «الخليج»

تقول الروائية غادة خوري، عن أسباب كتابتها لروايتها الصادرة حديثاً «يوم نامت ليلى»: «السبب الأولى الذي دفعني للكتابة هو الخوف من النسيان. من نسيان ليلى، أمي. الخوف من أن يصغر موتها مع الأيام. في البداية بدأت أسجل ذكرياتي معها. كأني أجمع صور الماضي وأخبئها في مكان آمن. أردت أن أحتفظ بكل شيء... بكل تفاصيل حياتها. مع مرور الوقت والأشهر، صار موتها يكبر. بدأت أشعر بفراغ فظيع كأن حفرة عميقة تتوسع كل يوم في قلبي. شعرت بنقصاني منها. ومع ذلك كنت أراها أمامي في كل ما أفعل... أراها بكل تفاصيلها. فتحولت الكتابة إلى حوار معها. حوار حقيقي وليس متخيلاً».

**لماذا بدأت الكتابة في سن متأخرة؟ وهل هذا الكتاب يشكل بدايتك في عالم الرواية بمعنى آخر هل نتوقع كتباً أخرى منك في المستقبل؟

الكتابة رافقتني طوال حياتي كهواية وكشغف، أردت أن أكون كاتبة طوال عمري، لكنني لم أقرر أن أكتب لأنشر، كنت أكتب لأملأ أيامي بليلى، لأعيشها بعد، لكي لا تموت، ولا يموت حضورها في كل دقائق يومي، لكن الكتابة جعلتني أفجع بموتها أكثر. وبدل أن يملؤني حضورها صار موتها يملؤني. كنت أبكي وأنا أكتب كأن الجنازة قائمة. استمريت في هذه الفجيعة أو بالأحرى استمرت الفجيعة مع ظهور وباء «كوفيد- 19»، والتزامنا الحجر الصحي. عندها شعرت أن العالم كله فقد أمه. العالم عاش حالة الانفصال التي كنت أعانيها، الانفصال عن الدفء والأمان واليقين الذي يمنحه وجود الأم.

1

بدأت العمل في الصحافة المكتوبة التي فتحت لي آفاقاً واسعة للتعرف إلى الشعر والأدب والفلسفة والفنون الجميلة. تجربة عشر سنوات في الصحافة اللبنانية في التسعينات طورت مهارتي الكتابية وغذت شغفي أكثر وكنت أقول لنفسي: سأكون يوماً ما كاتبة. لم أجرؤ. لم أشعر أن عندي ما يكفي من المخزون المعرفي والثقافي لأبدأ الكتابة الحرة أو الإبداعية. لكني لم أختر شيئاً في حياتي لا علاقة له بالكلمة المكتوبة. كل الوظائف التي شغلتها في حياتي المهنية كانت لها علاقة بالكتابة بشكل مباشر. عندما انتقلت إلى الإمارات وظفت مهارتي في الكتابة باللغة العربية، لكن علاقتي بالكلمة اختلفت وأصبحت مهنية ووظيفية، خاضعة لشروط وأحكام سوق العمل. ومع مرور الوقت والسنين ومع تراكم العمل والإرهاق الذي أصابني في العمل الوظيفي صار حلم التفرغ أو التقاعد المبكر من أجل التفرغ للكتابة يكبر بدل أن يتلاشى. عندها فقط أدركت أنني لن أكون سعيدة إلا إذا كنت ما أريد أن أكونه: كاتبة متفرغة. ويعزيني أن الكثير من الكتاب والروائيين سواء في العالم العربي أو الغرب بدأوا في سن متأخرة واستطاعوا أن يتركوا علامة فارقة في الأدب. لست أقارن نفسي بهم، لكن مسيرتهم ملهمة ومشجعة لكل من يخاف أن يكون الوقت متأخراً لممارسة أي هواية.

** عوالم جديدة

ما الذي تريدينه من قارئ الرواية ؟ أي انطباع تريدين أن تتركيه لدى القارئ؟

كما قلت، لم أقرر نشر الكتاب إلا بعدما أنجزته... لكن الآن وقد صار في الأسواق أعتقد بأن رغبة كل كاتب أن يصل إحساسه وفكره بشكل صحيح إلى القارئ. أن ينقله الكتاب الذي يتحدث عن تجربة شخصية جداً إلى عوالم جديدة من تجربته هو. أتمنى أن يستطيع الكتاب فتح نافذة في قلب ووجدان القارئ يتلمس من خلالها حقائق جديدة ربما عن الحياة والموت والذكريات والأشخاص الذين يطبعون حياتنا من غير أن يدروا أو يقصدوا. ثم إن الكتاب يتخطى في فصولاً كثيرة التجربة الشخصية ويتعداها إلى العام المشترك سواء في ذكرى الحروب المتتالية على لبنان أو في الأحداث التي شهدتها كل المجتمعات دون استثناء مع انتشار «كوفيد- 19» أو في استعادة مظاهر اجتماعية معينة ومواقف محددة تجاه تلك الظواهر. أعتقد بأن أهمية أي كتاب تكمن في قدرته على إثارة أسئلة إضافية في ذهن القارئ وتحفيز ذاكرته ووجدانه لاستنباط ما هو جوهري وعميق في النفس.

**في كلمة التقديم للشاعر علي العامري، وردت عبارة الرواية الجديدة، ما الذي يجعل «يوم نامت ليلى» تندرج في هذه الفئة؟

بكل صدق أقول إنني لم أكن على علم أبداً بمقومات الرواية الجديدة أو ما يسمى اصطلاحاً الرواية التجريبية. لو أنني علمت أو قرأت من قبل، لما خرج الكتاب بشكله النهائي ربما، أو لارتبكت كثيراً لإنجازه... ما فعلته هو أنني أخرجت ما في داخلي على الورق وكتبت من دون أفكار مسبقة أو ثقافة مسبقة. لكن ما راكمته من معرفة في اللغة وأسلوبي الذي طورته مع الزمن جعلني قادرة على صياغة أفكاري وإحساسي ووجعي. ربما هذا التفلت من القيود أو الأطر والهياكل الجاهزة للرواية أو لنقل هذه المحاولة في عدم اتباع أي نمط سابق مع الالتزام الكامل بقواعد اللغة الإبداعية (لأن الإبداع من دون قواعد ليس سوى فوضى وضعف...) هو الذي جعلني أخرج بكتاب من صنف الرواية الجديدة.

**حصانة

كيف تتفاعلين مع النقد؟ وهل تشعرين بأن من يتناول نصك بالنقد ظالماً خاصة أن الكتاب هو نصك الأول؟

أتمنى أن يهتم النقاد (إن وجدوا) بالكتاب ويتناولونه بفكر نقدي حاد. وأقول إن وجدوا لأننا للأسف نفتقد إلى حركة نقدية حقيقية في مجال الأدب والشعر على الأقل. وأنا واثقة بأن وجود حركة نقدية أو نشاط نقدي بعيد عن المسايرة الأدبية، هو حصانة ضد هذه الموجة التي نشهدها من الأدب السيئ أو الأدب غير المؤدب... المتفلت من كل المعايير الحقيقية التي تصنع أدباً حياً يستمر لعصور قادمة. نحن بحاجة إلى حكام.. إلى قضاة أدب إلى من يحاسب كل من يشوه أهداف الأدب وقيمه ومعاييره. صحيح أن الأدب مرآة لعصره ونحن نعاني اختلالات كثيرة في منظومة قيمنا ومقارباتنا لجوهر الحياة أو حتى اختلالات في رؤيتنا لما نريد سواء على المستوى الشخصي أو العام... ولكن نراهن على بعض الأنقياء الذين يتخذون من الأدب والفكر درعاً لزرع بذور التغيير. لا شيء سيتغير طالما أن الفكر السائد مسطح والوعي معدوم والنقد مفقود. كل شيء قابل للنقد. كل أفكارنا ومواقفنا تحتاج إلى محاكمة إلى إعادة نظر. وإلا لا معنى لصيرورة الإنسان ولا معنى لحياتنا أصلاً. أن نأكل وننام ونعمل لا يحدد وجودنا وقيمة حياتنا. بالعودة إلى سؤالك نعم أتمنى أن يحظى كتابي باهتمام ناقد حاد يمتلك من الثقافة والوعي ما يضيء لي مكامن الضعف وحتى القوة في نصي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"