عادي

عبد الرضا السجواني: الحب تجسيد للحياة وحكمة الوجود

01:41 صباحا
قراءة 4 دقائق

الشارقة - عثمان حسن
«ذلك الزمان» هي المجموعة القصصية الأولى التي صدرت للكاتب الإماراتي عبد الرضا السجواني في عام 1978، أما تاريخ ميلادها الحقيقي فيعود إلى ما قبل ذلك بسنتين، وكان قد خبأها في الأدراج، حتى جاءت فرصة لطباعتها، وذلك بعد أن قرأها الناقد الدكتور غسان الحسن، فذهل لما وجده فيها من سرد قصصي ماتع، وما اكتشفه من ذائقة جمالية وإنسانية.. كانت «ذلك الزمان» مع عدد قليل من الأعمال القصصية لرواد الأدب في مطلع ومنتصف سبعينات القرن الماضي، قد دشنت لملامح تجربة إبداعية في عوالم القصة الإماراتية، وحين يتوقف السجواني عند هذه التجربة، فإنه يستعيد شريطاً من الذكريات التي تختلط فيها الأحلام الكبيرة مع المعاناة وشظف العيش، وملاحقة الكتب واقتنائها بشتى السبل، كما تؤشر على مرحلة غنية من تشكل الوعي الثقافي والفكري لجيل عربي يمتد من المحيط إلى الخليج.

يتحدث السجواني عن «ذلك الزمان» بحنين جارف إلى زمن من نوع آخر، وإلى ذلك الشاب الحالم، في أزقة الشارقة القديمة، ويذكر أسماء مدارس ومكتبات، كالمدرسة القاسمية الشهيرة التي خرجت رعيلاً من القادة والكتاب والرموز الثقافية في الشارقة والإمارات، يتذكر مكتبة الشرق وتعرفه إلى أدب يوسف السباعي، وسلسلة المجلات الأدبية والاجتماعية التي كانت معروفة في الوطن العربي، كالهلال وآخر ساعة، واليقظة والعربي؛ حيث يقول: «مع شح وندرة الكتب في أيامنا تلك، فقد كنت وأقراني نتبادل الكتب بيننا، بأسلوب المقايضة، في تلك الآونة عملت في مكتبة الشرق، وكانت تحتل ركناً في شارع العروبة، وتعرفت من خلالها إلى نتاج بعض الكتاب العرب، وما تيسر من المنشورات التي شكلت في مجموعها وعي تلك المرحلة، وحنين الكتاب إلى زمن عروبي وقومي وأحلام كبيرة بحجم السماء».

ذلك الزمان

حين يستعيد السجواني، مناخات كتابة وإصدار «ذلك الزمان» يتذكر أسماء كعبيد القصير الذي كان يشغل منصب مدير الثقافة في أبوظبي، وعبد العزيز الشرهان صاحب «الشقاء» ويقول: «في تلك الفترة كنت طالباً في السنة الأولى بجامعة الإمارات، وأتذكر حينذاك أني نمت في حديقة الجامعة لأيام طوال، على الرغم من وجود الكثير من الأصدقاء والأقارب في أبوظبي»، ويتابع: «دفع عبيد القصير بقصة «ذلك الزمان» ل د. الحسن الذي سألني وقد علت محياه سمات الدهشة والذهول، معلقاً على أحداث بعض قصص المجموعة: كيف استطعت أن تقبض على خيوط هذه القصص الجميلة؟ وكان الحديث قد تطرق إلى تفاصيل وأبعاد إنسانية كثيرة تتحدث عن الماء والعطش».

هندسة الحرف

في الجانب الإبداعي والخاص، عزز السجواني من قراءاته التأملية والفلسفية، إلى جانب اهتمامه بفن القصة القصيرة، التي ظلت هاجسه الأكبر، ذلك لأنه يعرف كيف يفرغ من خلالها شحناته الإبداعية على مستويي الشكل والمضمون، ويعرف أكثر كيف يبدأ هندسة أول حرف في الكتابة، ليضيف إلى ما سبق وأبدعه في فنون القصة القصيرة، وظل هذا ديدنه، لأنه ابن تلك البيئة التي كانت مخلصة لتلك المفردات التي شكلت إطاراً مرجعياً للكتابة بصدق وشفافية تلامس القيم والجماليات الإنسانية، التي لم تتلوث بعد بداء العولمة والاستهلاك.

من هنا، يمكن فهم التصاقه بالبيئة المحلية، وهو لم ينف عنه وعن أقرانه ذلك الفضاء العروبي والقومي، الذي ظل هاجساً ملحاً، يكاد يسم جيلاً بأكمله، جيل تعود أن يعطي ويحب بإخلاص وتفان، ولكي يظل أثراً يلهم الكثير من الكتاب والمبدعين.

مراجع

في مكتبته يحتفظ السجواني، بسلسلة من الإصدارات التي تشكل بالنسبة إليه مرجعاً أساسياً، يعود إليه في لحظات الاسترخاء، في اللحظات التي تحتاج منه إلى قليل من التأمل والمقارنة، وعلى رأس هذه المراجع يأتي القرآن الكريم، يقول: «القرآن الكريم، هو منبع الأسرار العظيمة، وشعلة النور الذي لا ينطفئ، وبعده تجيء كتب كثيرة آنس إليها، فتفشي لي بأسرارها، وحكمتها، وفنونها».

قيمة عليا

يحضر السجواني في هذه الأيام لمجموعة قصصية تدور فكرتها الرئيسية على «الحب»، الحب بوصفه أعظم ميزة في الكون، الحب كفكرة مجردة تحمل قيمة عليا، ويقول: «كلما أوشكت على نهاية هذه المجموعة، تداهمني فكرة أخرى، فأعود لتضمينها بانتظار أن أفرغ منها، لتقدم ما أعتقد بأنه يضيف لتلك القيمة، وذلك الجوهر الذي يغلف روح الأشياء من حولنا».

ويتأمل السجواني، بعض ما يصدر في الساحة الثقافية المحلية ويقول: «يضايقني كثيراً أن أقرأ مجموعات قصصية، ولا أجد فيها ما يؤهلها لمواصفات القصة الناجحة، وذات الشيء ينطبق على الرواية، ففي مثل هذه الكتب التي تسرع أصحابها في طباعتها كثير من الارتجال، وهذا يعني أن استمرار هذا النوع من الكتابة سيفرغ هذه الكتابة من المضمون الثقافي والفكري للإبداع».. ويضيف: «الغريب أن مثل هذه الكتب تحصل على جوائز، وهو موضوع يطرح سؤالاً كبيراً حول شرعية ومصداقية بعض هذه الجوائز».

أفكار

في عصر الإنترنت وتنوع وسائل المعرفة، يؤكد السجواني، أنه نتاج زمن آخر؛ حيث حفر هو وزملاؤه في الصخر، حين كان الكتاب عملة نادرة، ويستحق البحث عنه والحصول عليه بشتى الطرق ويقول: «ضالتي دائماً وأبداً هو الكتاب، وهو المصدر الرئيسي للمعرفة، وأنا إلى اليوم لا يمكن أن أهجر هذا الأثر الخالد في الذاكرة، وأنا لا أعرف سواه».. لكنه يستدرك ويقول: «أنا أيضاً لا أستغني عن الشبكة العنكبوتية، فلدي 5 أجهزة كمبيوتر في منزلي، وأنا أحسن التعامل مع التقنيات الحديثة، وأقوم بطباعة إصداراتي بنفسي وتنسيقها حسب رغبتي، بما يليق بالكتاب ومضمونه وشكله الفني».

ويتابع: «قبل كتابة روايتي «تايتنك الأحلام» بذلت جهداً مضاعفاً في البحث من خلال النت عن الوثائق البريطانية التي تتبعت السفينة الغارقة في الخليج واسمها «دارا» وقد حصلت على معلومات كثيرة أفادتني في كتابة الرواية».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"