شبح الصدام بين واشنطن وموسكو

00:44 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. محمد السعيد إدريس

منذ بداية العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا كانت الولايات المتحدة ومعها الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو) شديدة الحرص على أمرين، أولهما: إفشال هذه العملية بشتى الصور وجعل هذا الفشل، فى حال حدوثه، مدخلاً لعملية تصفية حسابات قاسية مع روسيا تكون كافية لتحطيم الطموحات الروسية فى منازعة الولايات المتحدة على الزعامة الدولية. ثانيهما الحرص الشديد على عدم التورط المباشر في هذه الحرب. واشنطن كانت حريصة جداً على عدم إرسال جندي أمريكي واحد إلى أوكرانيا، وبرفض مطلق لمطالب الرئيس الأوكراني بفرض مظلة جوية فوق أوكرانيا لتحييد دور القوات الجوية وسلاح الصواريخ الروسي.

 واشنطن رفضت الطلب الأوكراني خشية أن يؤدى ذلك إلى صدام مباشر مع روسيا، لكن مع تقدم العملية الروسية يبدو أن الولايات المتحدة بدأت تدرك الخطر وبدأت تتقدم خطوات تجعل منها «طرفاً مباشراً» في هذه الحرب في محاولة عرقلة انتصار روسيا. 

 هل يمكن أن يحدث الصدام المباشر بين واشنطن وموسكو على الأراضي الأوكرانية؟

 القوات الروسية في أوكرانيا يمكن القول إنها منيت بهزيمتين، الأولى هي فشل إسقاط العاصمة الأوكرانية كييف جراء المقاومة الأوكرانية، والقيام بمراجعة للأهداف كانت محصلتها التركيز على إقليم دونباس، وربما الجزء الساحلي من أوكرانيا بأكمله. الفشل الثاني كان تمكن القوات الأوكرانية من إغراق الطراد الروسي «موسكفا» المعروف بأنه «جوهرة» الأسطول الروسي في البحر الأسود بصاروخين من طراز «نبتون». 

 الخسارتان يبدو أنهما فتحتا الشهية الأمريكية لمزيد من التورط ضد روسيا في أوكرانيا أملاً في تحقيق الهدف المأمول بإفشال المشروع الروسي في أوكرانيا، وذلك من خلال تكثيف إمداد أوكرانيا بكميات ضخمة من الأسلحة المتطورة التي من شأنها جعل العملية الروسية في أوكرانيا شبه مستحيلة.

 روسيا بدورها بدأت تدرك التغير النوعي في الدفاع الأوكراني بسبب ما تتلقاه كييف من دعم عسكري أمريكي ومن الحلفاء في «الناتو»، وهذا ما دفع زير الخارجية الروسي سيرغى لافروف إلى اعتبار أن «دعم واشنطن وبروكسل للنظام في كييف بات أقصى مظاهر النهج السياسي الغربي المعادي لروسيا». وأوضح لافروف أن الدول الغربية تسعى من خلال هذا النهج «إلى خلق أجواء مناهضة لروسيا».

 التحذير الروسي أصبح أكثر جدية ووضوحاً عندما قررت موسكو التعبير عنه بصفة رسمية من خلال مذكرة دبلوماسية أرسلت إلى وزارة الخارجية الأمريكية تضمنت القول «ندعو الولايات المتحدة وحلفاءها إلى وقف التسليح غير المسؤول لأوكرانيا، الأمر الذي ينطوي على عواقب لا يمكن التنبؤ بها على الأمن الإقليمي والدولي» وحسب تقرير نشرته صحيفة «الواشنطن بوست» (16/4/2022)، لم تأبه واشنطن بهذا التحذير؛ حيث أعلن مسؤول كبير في البنتاغون أن «الشحنات الأولى من الدفعة الجديدة من المساعدات العسكرية الأمريكية لأوكرانيا وصلت إلى حدود البلاد لتسليمها إلى الجيش الأوكراني». وقال هذا المسؤول «وصلت خمس رحلات جوية إلى المنطقة من الولايات المتحدة محمّلة بمعدات مختلفة»، وذلك منذ أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن عن حزمة جديدة بقيمة 800 مليون دولار من المساعدات العسكرية لأوكرانيا.

 ليس هذا فقط بل أن المعلومات تقول إن عسكريين أمريكيين سيبدأون، فى الأيام المقبلة، في تدريب الجنود الأوكرانيين على استخدام مدافع هاوتزر M777 الجيل الجديد من قطع المدفعية التي قررت الولايات المتحدة تسليمها لأول مرة للجيش الأوكراني، في الوقت الذي أعلنت فيه جين بسالي المتحدثة باسم البيت الأبيض في مؤتمر صحفي «لن أتوقع تهديدات فارغة أو تهديدات من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين».

 قبل ذلك بأيام قليلة وبالتحديد في يوم الأربعاء (13/4/2022) كان نائب وزير الخارجية الروسي قد حذر من أن «روسيا ستعد المركبات الأمريكية، وتلك التابعة للناتو، التي تنقل أسلحة على الأراضي الأوكرانية أهدافاً عسكرية مشروعة». 

 ما الذي يمكن أن يحدث إذا تفاقم التورط الأمريكي في أوكرانيا؟ هل يمكن أن يقع المحظور وتحدث المواجهة الروسية – الأمريكية على الأراضي الأوكرانية؟

 سؤال يكشف مدى خطورة ما يحدث من تطورات تؤكد أن شبح الصدام لم يعد مستحيلاً، وإن حدث فستكون هذه بداية لخطر يحرص الجميع على تجنبه لفداحة تداعياته على كل الأطراف.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"