يصل حجم سوق التوائم الرقمية (DigitalTwins) العالمية التي يتم بناؤها كنسخة طبق الأصل للعنصر المادي، إلى 35.5 مليار دولار العام 2026 بنمو 36.9%، وفقاً لتقرير مسار السوق العالمية والتحليلات لعام 2022 الصادر عن«Business Wire». وتشمل بعض العوامل الرئيسية التي تدفع نمو سوق التوائم الرقمية زيادة نسبة المنصات السحابية والتوائم الرقمية في إنترنت الأشياء، والاعتماد السريع لتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد في قطاع الصناعة، والحاجة إلى تقليل تكاليف المشروع.
ويمكن استخدام التوائم الرقمية لمحاكاة عملية التصنيع وتحديد ما إذا كانت هناك مخاطر أو أعطال وأين يمكن أن تحدث، بحيث يمكن تصحيحها.
وهناك اتجاه شائع آخر يتمثل في الاستخدام المتزايد لتقنيات التوائم الرقمية المزدوجة في قطاع الرعاية الصحية والخدمات المرتبطة بها، لاسيما بعد جائحة «كوفيد-19»، حيث يمكن أن تعمل كنسخة طبق الأصل من الخدمات، مما يوفر المراقبة والتقييم دون الاقتراب والمتوقع أن تسجل نمواً كبيراً في هذا المجال.
ونظراً لقدرتها على دعم الابتكار وتسهيل تطوير المنتجات، تحظى التكنولوجيا الرقمية المزدوجة باهتمام كبير، لقد تم تبنيها من قبل العديد من الصناعات بما في ذلك التصنيع والسيارات والفضاء والطاقة والنفط والغاز وغيرها، يتم أيضاً اعتماد التكنولوجيا الرقمية المزدوجة بشكل متزايد في صناعة الطاقة حيث يمكنها تسريع الانتقال نحو الطاقة المتجددة وانبعاثات صفرية.
تشير شركة «جارتنر» Gartner إلى أن «التوائم الرقمية» تعد واحدة من أكثر التقنيات الاستراتيجية رواجاً، وقد اعتمدتها عدد من المنظمات العامة كأداة فعالة للتخطيط المدني وإدارته.
أما فيما يتعلق بالمدينة الذكية، تعمل «التوائم الرقمية» باستمرار على جمع المعلومات من البيئة الحضرية باستخدام تقنيات مختلفة على سبيل المستشعرات والطائرات بدون طيار والأجهزة الجوالة لتقديم صورة محدثة وآنيّة وهو ما يتيح للمخططين الحضريين إمكانية اختبار أفكار وتجارب محاكاة للمدن تسبق التنفيذ في العالم الحقيقي.
- توقع المخرجات
ويشير إيهاب فودة مدير عام القطاع الحكومي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في «مايكروسوفت» إلى أن تقنيات «التوائم الرقمية»، تتمكن من توقع المخرجات الناتجة عن أي تغيرات، وتبادل الخبرات بشكل مباشر في أي زمان ومكان باستخدام الحوسبة السحابية وحلول «الميتافيرس»، فيما ستسمح بتطوير الموظفين وزيادة الإنتاجية، وتخفيض النفقات وزيادة العائد على الاستثمارات.
- اتخاذ قرارات فورية
وأوضحت نادية عبد الله كمالي المدير العام لشركة «أكسنتشر» في دولة الإمارات إلى أنه يجب على الشركات ذات الرؤية المستقبلية أن تبدأ بالمنافسة في عالم «الميتافيرس»، وتعتمد على سبيل المثال ما يسمى ب«التوائم الرقمية»، وهي من العناصر الأساسية ل«الميتافيرس»، والتي تهدف لتقليل الهدر وزيادة السرعة والقدرات وتعزيز قدرة الموظفين على اتخاذ قرارات فورية ضمن سلسلة التوريد الخاصة بها.
وتتعاون شركة «مارس» مع «مايكروسوفت» و«أكسنتشر» لاعتماد ما يسمى ب«التوائم الرقمية»، التي تعد من العناصر الأساسية ل«الميتافيرس»، بهدف تقليل الهدر وزيادة السرعة والقدرات وتعزيز قدرة الموظفين على اتخاذ قرارات فورية ضمن سلسلة التوريد الخاصة بها وتعمل «مارس» حالياً على توسعة هذا المفهوم ليشمل تطوير المنتجات من خلال المحاكاة الرقمية، آخذة بعين الاعتبار عوامل متغيرة مثل المناخ والانقطاعات، للحفاظ على رؤية متكاملة تشمل نقطة الأصل وصولاً إلى مكان الاستهلاك.
- السيناريوهات البديلة
وقال نوفل الوالي، الشريك المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة «أوبفيوستكنولوجيز»: تمثل دولة الإمارات ساحة للابتكار، ومع زيادة كمية البيانات عالميًا فسيصبح من المستحيل فعليًا تتبع كل شيء تتبعًا يدويًا، حينها سيصبح استخدام تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي والتوائم الرقمية أمرًا لا مفر منه.
وأضاف تعتبر التوائم الرقمية محاكاة افتراضية لعمليات واقعية، بما يُمكّن الأشخاص من إجراء المحاكاة لجميع البيانات أو التخطيط لها أو إدارتها، فضلاً عن معرفة كافة السيناريوهات البديلة في بيئة رقمية آمنة فيما توفر التوائم الرقمية ثلاثية الأبعاد القدرة على اتخاذ قرارات سريعة، بفضل تمكينها للمستخدمين من فهم البيانات الفترات الماضية لأغراض التدريب.
وأوضح الوالي: يمكن استخدام «التوائم الرقمية» في المطارات والمدن ووسائل النقل العام وغير ذلك، بهدف تحسين أداء العمليات والحصول على جودة خدمات ما في نطاق بعينه، عبر تغذيها آنيّاً ببيانات التخطيط والتطبيقات للمساعدة في تحليل كيفية تنظيم الأصول والموارد وتوليد معلومات قيّمة وذات أهمية.
- أهم التقنيات
بدوره قال وسيم غضبان، نائب الرئيس، الابتكار والحلول الرقمية في شركة «إس إن سي – لافالين»: أصبحت «التوائم الرقمية» واحدة من أهم التقنيات المستخدمة من أجل تحقيق قيمة مضافة، على الرغم من حداثة هذه التقنية التي تم ابتكارها العام 2002، والتي طبقتها ناسا في بعض مهامها الفضائية منذ عام 2010، إلا أنها انتشرت بشكل كبير في قطاع الأعمال.
وأضاف، ساهمت تقنيات إنترنت الأشياء وتحليل البيانات والذكاء الاصطناعي في إدخال تقنية التوائم الرقمية ضمن الأساسيات الرئيسية لإدارة الأعمال والتخطيط، وهو ما جعلها واحدة من أهم القضايا التي يتم مناقشتها حول العالم.
وتابع غضبان: من المتوقع أن تصل قيمة السوق العالمي لتقنية التوائم الرقمية إلى 35.8 مليار دولار العام 2025 وتعتبر التوائم الرقمية نسخة رقمية افتراضية مطابقة لأصل مادي أو منتج، ويتم ربط الأصل الحقيقي مع نسخته الإلكترونية الافتراضية بطريقة تسمح بنقل البيانات بين الجزأين.
وتعمل النسخة المماثلة الرقمية على دمج الهندسة ومعلومات الأصول وبيانات الوقت الفعلي الموجودة في الأصل الحقيقي لإنشاء نظام أعمال ديناميكي قائم على الهندسة. ويتيح ذلك للشركات تحسين عمليات التشغيل وتعزيز الاستثمارات في العالم الافتراضي قبل تطبيقها في الواقع الفعلي.
وتلعب تقنية التوائم الرقمية دوراً عملياً في كل خطوة من دورة حياة الأصول – بدءاً من التكنولوجيا في مرحلة التصميم، وحتى الوصول إلى مرحلة التوريد وإدارة العمليات.
وقال غضبان: في قطاع النفط والغاز، يمكن استخدام هذه التقنية لمحاكاة سيناريوهات «ماذا لو» أو «ماذا سيحدث في حال»، لزيادة إنتاجية الأصول والموثوقية وتحسين الأداء. وتمكن أصحاب المشغلين من جمع البيانات في الوقت الفعلي من أجهزة الاستشعار في الجهاز التشغيلي لمعرفة تفاصيل الحالة بدقة عالية، بغض النظر عن مكان وجودها. بالإضافة إلى أنه يمكنهم تشكيل نموذج الحفر والاستخراج لتحديد ما إذا كانت تصاميم المعدات الافتراضية ممكنة. والأهم من ذلك، تساعد تقنية التوائم الرقمية في الكشف عن أي علامات لأعطال في الجهاز مبكراً، مما يسرع الانتقال إلى مرحلة الاستجابة الاستباقية الفورية، ويتيح تخطيط وتنفيذ إجراءات الصيانة التصحيحية قبل حدوث أي أعطال محتملة وبتكلفة أقل في أغلب الأحيان.
- بيانات بالوقت الفعلي
من جانبه قال ستيفن جيل، الرئيس الأكاديمي لكلية الرياضيات وعلوم الكمبيوتر، جامعة هيريوت وات دبي: يمكن أن تساعد تقنية التوائم الرقمية في تجنب المشكلات المحتملة في تطوير المنتج عن طريق تلقي المدخلات من أجهزة الاستشعار، حيث تجمع المستشعرات البيانات من المنتج المادي وتحاكي التوائم الرقمية في الوقت الفعلي، مما يوفر رؤى قيمة حول الأداء والمشكلات المحتملة ويمكن للمهندسين تحديد مشكلات الجودة والتصنيع المحتملة حتى قبل إنهاء التصميمات، مما يوفر التكاليف.
وأضاف جيل، هناك طريقة أخرى يمكن للتوائم الرقمية من خلالها حل المشكلات وهي من خلال الصيانة التنبئيّة، والتي يمكن أن تساعد في تحديد الأعطال حتى قبل حدوثها وتعزيز سلامة العمال، وتقليل مخاطر الحوادث وتقليل تكلفة الصيانة. تشمل الأمثلة المضخات والمحركات ومحطات الطاقة وخطوط التصنيع.
وأخيراً، نظراً لأن «التوائم الرقمية» يمكن أن توفر نسخاً متماثلة للمدن بنموذج افتراضي للطرق والمباني والأماكن العامة، فيمكنها مساعدة مخططي المدن على تخطيط أنظمة النقل بشكل أفضل وتحذير السكان من مستويات التلوث أو أي مشاكل مشتبه فيها. على سبيل المثال، تعمل حكومة سنغافورة على إنشاء نسخة رقمية من المدينة لواضعي السياسات لاستكشاف السيناريوهات المستقبلية وسيسمح هذا بمحاكاة التغييرات المستقبلية للمدينة قبل تنفيذها.
وقال جيل: بينما تقوم المحاكاة بتكرار ما يمكن أن يحدث لمنتج ما، فإن التوائم الرقمية توفر بيانات في الوقت الفعلي من خلال تكرار ما يحدث لمنتج حقيقي في العالم الحقيقي، ويمكن استخدام المحاكاة لتحليل أقصر مسافة بين محطات العمل أو تأثير وجود المزيد من مرافق التخزين وإن النقل المنتظم للمعلومات بين التوائم الرقمية والبيئة المادية المقابلة لها يجعل المحاكاة في الوقت الفعلي ممكنة، وفيما يتعلق بتصميم المنتج، فقد دمجت «بوينج» التكنولوجيا الرقمية المزدوجة في تصميم الطائرات وإنتاجها وتمكنت «بوينج» من تحقيق تحسن بنسبة 40% في جودة بعض الأجزاء التي صممتها، كما تستخدم «تيسلا» هذه التقنيات لتحسين التصميم والصيانة في سياراتها.
كافيه فيسالي: دمج التكنولوجيا مع آليات التشغيل
يقول كافيه فيسالي، الشريك المسؤول عن قسم الخدمات الرقمية والبيانات والذكاء الاصطناعي في «بي دبليو سي الشرق الأوسط»: يمكن أن يشكّل نموذج التوائم الرقمية أداة مشاركة فعالة من أجل توفير مسار عملي للتطوير الحضري وفوائد لأصحاب المصلحة ليتمّ تقييمها، بطرق جديدة، بالإضافة إلى التعرف على المخاطر والفرص الناتجة عن المشاريع واسعة النطاق.
وأضاف، نعتقد أن للتوائم الرقمية فوائد عدة، خاصة فيما يتعلق بدمج الابتكارات في التكنولوجيا الرقمية مع آليات التشغيل الحضرية من أجل تنمية مدن المستقبل.
وأوضح فيسالي، تضطلع التقنيات الناشئة بدور حيوي في التطرق إلى التحديات التي تقف في وجه توسّع المدن، من خلال الاستفادة من البيانات الرقمية في الوقت الحقيقي، بالترافق مع إمكانية اختبار الأفكار أو محاكاة السيناريوهات المحتملة للمرافق والعمليات ومساحات المدينة قبل أي تنفيذ فعلي على أرض الواقع - حتى قبل بناء المدن أو تنميتها.
