اختيار المعلمين

04:13 صباحا
قراءة دقيقتين
ابن الديرة

الدول التي نجحت وتميزت في مسيرتها التعليمية ونتائجها، وضعت نصب عينيها حسن اختيار المعلمين الذين تقوم على أكتافهم وبسواعدهم مجمل عمليات التطوير والتنمية، باعتبارهم مصنع الكوادر البشرية المتعلمة والمؤهلة والمتمرسة، وكانت ترفع شعاراً حقيقياً يؤكد صعوبة أن يكون المرء معلماً، لأنه بحاجة لمواصفات شديدة الخصوصية.
المعلم الذي يمكن أن تنجح معه وبه استراتيجية تطوير التعليم التي انطلقت في الإمارات، بحاجة إلى إعادة تقييم جادة وأكيدة، ولا تعترف أو تقبل بأنصاف الحلول، فالعمود الفقري لهذه الانطلاقة المباركة هو المعلم النوعي، المتمكن علمياً وأخلاقياً ولديه إرادة التغيير المنطلق إلى آفاق رحبة من الارتقاء والسمو بمخرجات العملية التربوية التعليمية التي ينشدها المجتمع.
قبل عدة عقود، كان خريج الثانوية العامة يمكن أن يصبح معلماً في الصفوف الدنيا، وكان هناك دبلوم للمعلمين يحصلون عليه بعد الثانوية العامة بسنتي دراسة، وخريجو التأهيل التربوي الذين هم أيضاً درسوا سنتين بعد الثانوية، وبالتدريج، ومع اتساع نطاق النهضة الشاملة التي اجتاحت كل مناحي الحياة في البلاد، لم تعد هذه النوعية من المعلمين تجدي نفعاً، وباتت غير قادرة على مجاراة طوفان التطور الذي لم يترك جانباً من جوانب المجتمع إلا قلبه رأساً على عقب، نافضاً عنه غبار التواضع لينطلق به إلى أرحب الآفاق.
اليوم لم يعد المعلم خريج الجامعات قادراً على العطاء المتميز، مع هذا الزخم المتصاعد من الاختراعات والابتكارات والإنتاج القائم على التكنولوجيا والأتمتة، إلا من استطاع بذكاء خاص أن يواكب تطور المجتمع الصاروخي بتطوير مماثل لقدراته وعلومه وثقافته، وهو نفر قليل على أية حال.
نتمنى من محبي مهنة التعليم الراغبين في المواصلة، الانتفاض، ورفض واقعهم السلبي العاجز عن مجاراة تلميذ وطالب اليوم، الذي لم يعد الراديو هو وسيلة اتصاله بالعالم الخارجي ، ومحاولة اللحاق بركب العلم المنطلق إلى آفاق التطور بلا توقف.
لم يعد المعلم الشاطر هو من يجيد تحضير الدرس، ويستعد لزيارة مدير المدرسة أو الموجه التربوي لفصله الدراسي، فأسلوب التعليم تغير، وأصبح البحث العلمي هو المادة التربوية الأساسية ضمن المواد التعليمية المتنوعة، ومهمات المعلم تعقدت وازدادت صعوبة آلاف المرات مقارنة بالماضي، يوم كان يمكن له أن يغفو قليلا بينما طلبته يؤدون واجباً دراسياً كلفهم به للتو واللحظة، ومن دون سابق إنذار!
المعلم الذي سيستمر ويكون أداة رئيسية وفاعلة في تنفيذ استراتيجية تطوير التعليم، يجب أن يتابع كل جديد في طرق التعليم الحديثة ويستوعبها جيداً، ويتفوق في تطبيقاتها، ويتابع جديد المناهج التعليمية، وطرق البحث والاستقصاء الأكثر دقة ، ويكون مثقفاً يفوق طلبته في كل المعارف، وعلى رأسها أجهزة الكمبيوتر والأجهزة الهاتفية الذكية.
من الصعب أن يكون أي شخص معلماً، شعار يجب أن نرفعه بثقة ورضا نفسي، فالمعلم المطلوب للمرحلة المقبلة يجب أن يكون نوعياً في كل شيء، وفي المقدمة التأهيل الصحي والنفسي، سابقاً للتأهيل العلمي وشرطاً له، ليتمكن من أن يكون صانعاً ماهراً، فالخريج الذي نطمح أن يولد من رحم الثانوية العامة نتمناه عالماً شاباً، رغم أنه في مرحلة المراهقة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"