“قلب شجاع” فن ينقذ آلاف الأطفال

تدعمه مؤسسة “ثقافة بلا حدود” في الشارقة وشارك فيه كبار الإعلاميين
05:27 صباحا
قراءة 7 دقائق
بيروت - ألبير خوري:
قرأ الملايين حول العالم، أو شاهدوا أفلام "المرأة الخارقة" Wonder Woman و"المرأة القطة" Cat Woman و"المرأة الجميلة" Pretty Woman وغيرها الكثير من القصص والأفلام، شغّل صنّاعها من كتّاب ومخرجين خيالهم ليجعلوا من المرأة بطلة مغامرة، عاطفية وجريئة . . لكن الشابة اللبنانية رانيا الزغير اختارت "المرأة الكتاب" صفة لها . هي الكاتبة والباحثة صاحبة "دار الخياط الصغير" للطباعة والنشر، سخّرت حروفها ومواهبها المتعددة، لتروي حكايات الأطفال ولتنقذ قلوب أطفال بعمل فني رائع .
بدأت صغيرة جداً تخبر الحكاية بقالب سهل وطريف . كانت تخترع القصة بخيالها وتخبرها لأهلها ورفاقها . . هكذا سمعت من والدتها . كبرت رانيا وكبرت معها الحكاية، تابعت طريقها، حتى صارت قضايا الأطفال شغلها الدائم، على الورق وفي الحقيقة، تدخله شريكاً فاعلاً في حياتها اليومية، وتساهم بطريقة ما في حل مشاكله على قدر الإمكانات المتوفرة، وآخرها إقدامها على مشروع مساعدة عشرات الأطفال الذين يولدون ولديهم مشاكل قلبية . "صحيح أن المؤسسات الخيرية والطبية تعمل جاهدة لمساعدة خمسين في المئة من أصل 700 طفل لبناني يولدون سنوياً يعانون أمراضاً وتشوهات قلبية متعددة، ويبقى نصفهم الآخر على لائحة الانتظار وبعضهم يموت لأنهم لم يجدوا المساعدة السريعة والمطلوبة، فكان أن أطلقت مشروع "قلب شجاع" Brave Heart تخبر رانيا كما تروي الحكايات في كتبها المنشورة بعناوين جذابة تشد الطفل إلى القراءة والاستمتاع وتشحن خياله بالمعرفة وبما يتلاءم مع قدرته الاستيعابية مثل "حلتبيس حلتبيس"، "من لحس قرن البوظة؟"، "سيسي ملاقط تلبس خروفاً ودودتين"، "لماذا أمطرت السماء كوسى وورق عنب؟"، حديد صابون وبونبون"، العملاق العملاق يغني"، "سنة حلوة يا سلطة"، "بيتي هو طابة" وغيرها ترجم بعضها إلى لغات أجنبية . وفي كلها تبرز رانيا كاتبة طليعية مهّدت لأدب الأطفال في العالم العربي .
شكّلت مؤلفاتها مادة أدبية جذابة هدفها تنمية الحس الفني والاجتماعي لدى الطفل، تخاطبه بلغة واعية وذكية تربطه بالعصر، تقربه من الثقافات الإنسانية بوعي ودراسة، وبما يساعد الطفل على تكوين ذخيرة معرفية خاصة تشكّل قاعدة استقبال وتلقي قادرة على الفرز بوعي، يزيدها إقبالاً استخدامها تقنيات رسم حديثة جداً بمقاييس عالمية لتلوين عالم الطفل وتدريب حواسه اللونية ووضعه في أجواء من الدينامية الداخلية الفرحة والمشرقة .
تبدو رانيا منزعجة جداً من الممنوعات التقليدية التي ارتبطت بالكتابة للطفل وترى "أن لا مانع من أن تقرأ الأم لأطفالها قصصاً تنافس قضايا الحب العذري بشكل راقٍ كما في "حلتبيس حلتبيس"، وهو شخصية خيالية من ابتكاري تقع في حب فتاة صغيرة . وأنا حريصة على التطرق لهذا الموضوع لأن كتاب الطفل يجب أن يقدم خبرات لغوية وحياتية وعاطفية تسمح للطفل بمواجهة قيم وقضايا ومواقف تساعده على الإجابة عن المشاعر التي يشعر بها . . مثل الخوف والفرح والحزن والحب . أما على المستوى الحس-حركي، فعندما يقلب الطفل صفحات الكتاب، يتعلم التحكم بعضلات اليد والأصابع الصغيرة، كما يمكنه أن يرتقي لغوياً عن طريق إجابته على الأسئلة التي تعقب قراءة الكتاب" . لافتة إلى التقنيات الحديثة التي واكبها تطور آخر "في شكل كتاب الأطفال الذي نشتريه ونقرأه لأبنائناً" .
رانيا لم تكتف بمشروع الكتابة وفوائدها للأطفال . ذلك إن هؤلاء، خصوصاً المرضى منهم- والقلب خصوصاً- يحتاجون إلى المزيد من العناية والرعاية المعنوية والمادية على السواء . "تلك مسؤولية الجميع، خصوصاً من يهتم بالثقافة والفن"، تقول الكاتبة والناشرة الشابة، وهي تحكي مغامرتها ومساهمتها في مشروع "قلب شجاع" . وترى إن "الحب كما الحياة يحتاج إلى قلب، ولأن القلب يحتاج إلى مجتمع مساند يدعمه لينبض جيداً، قررت المساهمة، كتابة وفعلاً، بدعم الأطفال الذين يعانون مشكلات خلقية في القلب، ومن خلال ما يعرف ب"قلب شجاع" . وقد شاركني في هذه المساهمة وجوه فنية وإعلامية معروفة تبرعوا بأوقاتهم وأصواتهم لإصدار "سي .دي" يتضمن أغنية للصغار بعنوان "قلب كبير" كتبتها على شكل قصيدة في كتاب "حلتبيس حلتبيس"، بصوت الفنان الشاب مايك ماسي وألحانه وتوزيعه .
يقول مطلعها بصوت الإعلامي نيشان: "قلب كبير قلب صغير، وقلب طويل حب قصير، قلب مربع قلب مستطيل، قلب الأذكياء وحب المهابيل" . لكن قلبي أنا أحاسيس، لا شكل لها ولا مقاييس، قلبي ناعم ومهضوم، قلبي من سمسم وتوم" .
إلى الأغنية، تضمن مشروع "قلب شجاع" الذي تأسس عام 2003 بدعم من مؤسسة "ثقافة بلا حدود" في الشارقة، إصدار "سي .دي" بعنوان "رن رن يا جرس" يحتوي 12 قصة للأطفال كتبتها الزغير وقرأها الإعلاميون زاهي وهبي، بولا يعقوبيان، نيشان، تانيا عوض غرة، المخرج والمنتج التلفزيوني سلام الزعتري، والمغني الموسيقي مايك ماسي الذي تولى أيضاً إخراج المؤثرات وإدارة التمثيل الصوتي بتأليف وتوزيع المقطوعات .
توضح رانيا الزغير: "أردت من هذا العمل أن يدغدغ قلوب الصغار والكبار وإدخال الفرح والضحك إليها . . ومساعدة مؤسسة "قلب شجاع" على جعل القلوب الصغيرة تنبض قصصاً بنهايات سعيدة . ولأن الحب أصل الحكاية ختمتها "حكايتي حكيتها وبقلوبكن خبيتها" . لافتة إلى أن صندوق "قلب شجاع" استطاع إنقاذ 2500 طفل مصاب بمرض خلقي في القلب . وعلى أمل الحصول على المزيد من الدعم وجمع التبرعات للوصول إلى اليوم الذي لا يتوفى فيه طفل من مرض القلب بسبب العوز . .
تولى الفنان الشاب مايك ماسي مسؤولية لم يسبق أن شغلها من قبل . صحيح أنه درس الإخراج والتمثيل، لكن الموسيقى كانت سباقة منذ طفولته إلى يوم تخرجه وبدئه العمل، لتأخذ مستقبله في اتجاه اللحن والعزف . نجح إلى حد كبير حيث احتل حضوره بعض كبريات المسارح العالمية . لكنه ما إن أتاه صوت رانيا الزغير لتشركه في مشروع "قلب شجاع" انتفض قلبه . "ذلك أنني أعرف جيداً حجم المشكلة التي يعانيها الأبوان حين يرزقان بطفل معطوب القلب خلقياً" .
إدراك مايك بالمصيبة ينبع من تربيته وسط عائلة متوسطة الدخل، وحين كانت والدته، بقلبها الرقيق، ينخطف منها كلما غادر أطفالها البيت متوجهين إلى المدرسة أو إلى اللعب . "كان ذلك أثناء الأحداث . . فكيف حال الأم التي تلد طفلاً معلول القلب"؟
وانطلاقاً من هذه الأحاسيس الراقية والنبيلة، سبقت موسيقى وألحان مايك ماسي ل"قلب شجاع" قصص رانيا الزغير للمشروع نفسه . "عندما قابلتها للمرة الأولى، أخبرتني عن إعجابها بموسيقاي، شكّل كلامها أول خطوة لقبولي المشاركة، وإن اختيارها لم يكن عبثياً . سمعت موسيقاي وأعجبت بها . "يقول مايك ويضيف: "قرأت القصص الواحدة تلو أخرى، وأنا بطبعي لا أهوى المطالعة، شدتني الحكايات وأطلقت أحاسيسي، أخبرتها بصراحة: لا أؤلف للأطفال . . أنا أبدع موسيقى . تربيت عليها، شرقية وغربية . جيلبير بيكو، شهرزاد، شيرلي باسي . . لذا لن تكون موسيقاي تصويرية لأنها تحد الخيال . إنما موسيقى وكفى . ويبدو أن رانيا أدركت ذلك سريعاً وبدأنا التنفيذ . استلمت المشروع من ألفه إلى يائه، لم أتخوف من إدارة إعلاميين وفنانين كباراً . الكل تجاوب معي: بولا يعقوبيان، نيشان، زاهي وهبي، تانيا غرة . . أمضينا أوقاتاً سعيدة معاً، ولطالما شعرت بحماسهم وإنشدادهم إلى مشروع إنساني ثقافي قد يكون الأول في لبنان بهذا المستوى، وإن كنّا تأخرنا كثيراً عن مثله، كما في الدول الراقية، وحيث كبار النجوم في هوليوود وفرنسا وبريطانيا يعيرون أصواتهم لأفلام الصور المتحركة وهم فخورون بذلك" .
وينتهي مايك ماسي للقول: " أنهيت مهمتي على أكمل وجه، وأنا فخور وسعيد، كما كل من شارك في هذا العمل، بأننا ساهمنا جميعاً بإنجاح مشروع بهذا المستوى يعود ريعه لمساعدة أطفال ولدوا "مشوهي القلب" ويستحقون منا مزيداً من الاهتمام والدعم" .
على عكس زافين الذي اعتذر عن المشاركة في الموضوع، وبولا يعقوبيان لانشغالاتها الكثيرة وعجزها عن إدلاء رأيها، وهي التي لعبت دوراً مهماً في إنجاز ال"سي .دي"، سارع زاهي وهبي إلى إبداء تعاونه في إنجاز مشروع يعود ريعه ل"قلب شجاع" .
زاهي أعاد مشاركته لسببين: أولاً: هدف إنساني يتمثل بمساعدة جمعية ولو بمثقال ذرة وتشجيعها على المزيد من الجهد والعمل لأجل الأطفال المصابين بأمراض قلبية، بما تفرضه هذه الأمراض من أعباء مالية مرتفعة جداً . وثانياً، تشجيع الأطفال على القراءة من خلال الإصغاء لمجموعة قصص لطيفة وهادفة في الوقت نفسه كتبتها رانيا الزغير . بمعنى أن الطفل حين يسمع قصة بصوت شخص معروف لديه، قد يتشجع ويسأل عن الكتاب الذي يحوي تلك القصة، خصوصاً إن القصص مكتوبة باللغة العربية الفصحى، إنما بأسلوب سهل وسلس .
أنهى زاهي كلامه بالقول: "نحن اليوم بأمس الحاجة لتشجيع أطفالنا على المطالعة، وعلى توطيد علاقتهم باللغة العربية، خصوصاً إننا نلاحظ تراجعاً كبيراً لهذه الناحية . وفي العموم، كان العمل راقياً وممتعاً مع مجموعة من الزملاء المتميزين مثل بولا يعقوبيان ونيشان وسلام الزعتري ورانيا غرة ومايك ماسي" .
المذيعة تانيا غرة رأت أن تجربتها مع قراءة قصص الأطفال بقلم رانيا الزغير الخلوقة تحت إدارة مايك ماسي الفنان المتكامل، إلى جانب نجوم في الإعلام والفن "هي غنى لي وإضافة أكيدة على المستوى الإنساني والعملي" . لافتة إلى "فخر كبير بمشاركتي البسيطة التي آمل أن تضيف شيئاً من الفرح على مسمع كل طفل" .
أضافت تانيا: "إن هذا الأسلوب في مساندة كل طفل مريض هو ما نحتاجه، فمن يشتري ال"سي .دي" سيغتني ويُغني أولاده بقصص رائعة، فرحة، مجنونة، ذات معاني وقيم إنسانية مقروءة بلغة الضاد، وفي الوقت نفسه، يساهم في عملية قلب تنقذ طفلاً آخر ليتمتع أيضاً بسماع قصص تجعل قلبه ينبض بالحياة . إذاً هي عملية رابحة للجميع، وهل من يكره الربح"؟
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"