بريطانيا و«الإخوان»

04:19 صباحا
قراءة 3 دقائق
ابن الديرة

تعاملت الحكومة البريطانية في عهد رئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون بالكثير من الشفافية، وتوصلت في النهاية إلى تجريم تنظيم الإخوان المسلمين باعتباره يمثل تياراً متطرفاً أو مغذيا للإرهاب أو مؤدياً إليه. لم يصل متابعو ملف الإخوان المسلمين في بريطانيا إلى تلك النتيجة التي قيلت في عبارات خجولة بين ليلة وضحاها، وإنما كانت بعد أخذ ورد واستقصاء عميق، وحسنا فعلت وزارة الخارجية البريطانية حين أكدت أمس أن موقف بريطانيا من «الإخوان» لم يتغير، وذلك رداً على محاولة إعادة الملف إلى المربع الأول حتى لا نقول نقطة الصفر، فقد أعلنت لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان البريطانية موافقتها على مراجعة مصطلح «الإسلام السياسي» نحو تضييقه وتحديده أكثر، مشيرة إلى عزمها استثناء «الإخوان» من التعريف، بعد أن اتضح لديها نجاحهم ضمن المسار الديمقراطي الجديد في تونس، وذهبت، في الوقت نفسه، إلى محاولة تبرئة «إخوان مصر»، مبررة «بعض أخطائهم ب«ظروف تعرضوا لها».
إن في ذلك استسهالاً مفرطاً في فهم طبيعة الإسلام السياسي الذي ينبع، في الأصل، من فكرة واحدة، ويصب في بحر واحد، ويبتعد، في شموله وتفاصيله، عن الإسلام الصحيح، متبنياً أفكاراً أفرزها خطاب ديني متراكم عبر القرون ومليء بالأفكار المنحرفة والمحمولات المنتمية إلى الاجتماع لا إلى الدين، حيث حركات الإسلام السياسي مترابطة ومتسقة، بشكل أو بآخر، مع بعضها بعضاً، ولذلك نرى مثلاً تعاطف «الإخوان» الإرهابيين مع «الدواعش» الإرهابيين، فالإرهاب هنا هو الصفة الجامعة.
مفرقة كبرى حين تحاول اللجنة الخارجية في البرلمان البريطاني إعادة ملف الإخوان المسلمين إلى نقطة الصفر وقد عانت بريطانيا مع غيرها وقبل غيرها من كيدهم وشرورهم، ولن تعدم ممن منحتهم بريطانيا حق اللجوء السياسي من هذه الفئة من يقول إن حلمه رفع راية الخلافة على باكنجهام بالاس. مرجعية هؤلاء واحدة وبيعتهم واحدة سواء تمثلت في المرشد أو الخليفة أو الشيطان، فكيف يستقيم ذلك مع ما نقلته «الإندبندت» عن كريسبين بلانت رئيس اللجنة الخارجية في مجلس العموم حين تحدث عن «شراكة في القيم بين الإخوان المسلمين وبريطانيا»؟ الواقع أن فهم بعض الغرب لتيارات الإسلام السياسي خصوصاً تنظيم الإخوان المسلمين المصنف اليوم إرهابيا في معظم دول العالم المتحضر فهم قاصر وغير ناضج، وهو يبرر لهذه التيارات بذرائع هشة ومفتعلة تحت ستار التمسك بالديمقراطية المفصلة على قدّ أهواء الغرب. لا تشكيكاً في الديمقراطية كغاية عظمى ويكفي أنها توأم الحرية والمساواة، فالخلل خلل آليات لا غايات، ولعل ما يجري في الانتخابات الأمريكية التي تبلغ ذروتها ونهايتها اليوم بعد أن عاش العالم على فكاهتها وتسليتها طوال الشهور الماضية «والله يستر»، لعل ما جرى ويجري في تلك الانتخابات دليل كاف على ما يراد هنا.
مثل هذه الآليات أوصلت مرسي إلى حكم مصر، وأوصلت المرزوقي إلى حكم تونس، وعرف الشعبان العزيزان في مصر وتونس مدى فشل التجربتين، فكان التعديل في مصر عبر احتشاد أكبر تجمع بشري في تاريخ الدنيا، وكان التغيير حتمياً في تونس التي قامت ثورتها على حشرجة البوعزيزي وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة جوعا وكمدا، وعلى النشيد الخالد لأبي القاسم الشابي: إذا الشعب يوما أراد الحياة.
ماذا بعد؟
لا بد للجهات الرسمية والشعبية العربية خصوصاً البرلمانات ومنظمات المجتمع المدني من اتخاذ مواقف موحدة تجاه هذا العنوان نحو منع محاولات قبول التطرّف وتبريره مهما كانت الذرائع.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"