استقبال المولود موسم فرح

يبدأ منذ الشهور الأ ولى للحمل
12:32 مساء
قراءة 4 دقائق

لا تزال التقاليد الأصيلة بطقوسها وعاداتها قائمة ومحافظة على مكانتها داخل المجتمع السوري ولئن أحدثت تطورات الحياة المعاصرة بعضاً من التأثير في هذه العادات لكنه تأثير اقتصر في الجزئيات فحسب من دون أن يمس جوهر هذه العادات وقدسيتها لدى أفراد المجتمع.

ويعتبر استقبال المولود الجديد من المناسبات التي يحرص السوريون على الاحتفال بها، لما لها من أهمية كبيرة داخل الأسرة السورية وتتعدد طقوس الاحتفال بهذه المناسبة بتعدد وتنوع الموروث الذي ترتكز عليه أعراف وتقاليد كل منطقة على حدة، لتعكس تنوعا هائلا وغنى حضاريا متميزا، وهذا ما يجعل من هذا الحدث فرصة للتعبير عن الفرح والزهو باستقبال حياة جديدة.

تبدأ الاستعدادات لاستقبال المولود الجديد في محافظة درعا (جنوب سوريا) منذ الأشهر الأولى للحمل، حيث تحظى المرأة الحامل برعاية خاصة من قبل المحيطين بها وتتناوب الأم والأخوات وحتى الخالات إضافة إلى أهل الزوج على رعاية الحامل من خلال الاهتمام بغذاء صحي لها وإبعادها عن كل مجهود ضماناً لقضاء فترة حمل آمنة، ومن الاستعدادات التي تسبق قدوم المولود الجديد تحضير ما يسمى الديارة وهي عبارة عن مجموعة كاملة مؤلفة من كل ما قد يحتاجه المولود الصغير من ملابس وأغطية تحيكها نساء العائلة خصيصاً للمولود الجديد. وهذه الديارة تختلف بنماذجها ونوعيتها تبعاً للحالة المادية للأسرة، فالبعض لا يزال مصراً على تجهيز هذه الأخيرة بنفسه من خلال ما تيسر له من أقمشة متوافرة في المنزل تصلح لهذه الغاية وفي هذا كما يعتقد البعض توفير لنفقات قد تحتاجها الأسرة في أمور أهم. وعلى الجانب الآخر، هناك أسر استغنت عن صنع ديارة المولود الجديد عن طريق شرائها من السوق بعد أن بات الحصول عليها متاحاً وإن كان بثمن مضاعف.

تأتي اللحظة المنتظرة لتعلن قدوم المولود الجديد والذي ما إن ينظف جيداً ويتم الاطمئنان على صحة الأم حتى يتم تسليمه إلى أبيه أو جده الذي يؤذن في أذنه اليمنى ويكبر ثلاث تكبيرات في أذنه اليسرى وتبدأ الاستعدادات من أجل توفير الظروف المريحة والملائمة للمرأة، التي أصبح يطلق عليها اسم النفساء، فتحضر لها كل المأكولات، التي من شأنها أن تساعدها على استرجاع عافيتها بسرعة وعلى در حليب الثدي، الذي يبقى أساسيا لتغذية الطفل ويبدأ منذ اليوم الأول للولادة الاعتناء بشكل مضاعف بغذاء الأم والذي غالباً ما يحتوي على البيض والحليب واللحوم والتمر، وهنا أيضا يتناوب أقارب الأم بإعداد ما يلزم من مأكولات تخفيفاً من العبء على أهل الزوج ويستمر هذا الحال قرابة الشهر حتى تصبح الأم قادرة على تجهيز غذائها بنفسها.

وبمجرد ذيوع الخبر، تتقاطر النسوة لمباركة المولود الجديد والاطمئنان على صحة الأم، إذ يحملن في الغالب بعض الهدايا التي هي عبارة عن بيض أو ملابس تخص إما المولود أو الأم فيما يكتفي البعض بتقديم النقود وهو ما يسمى النقوط.

ويعد مشروب القرفة المضاف إليه السمسم والجوز من أهم ما يقدم للضيوف الذين يتوافدون للتهنئة فهو إضافة إلى أهميته لالنفساء حيث يفيد في التغلب على آلام ما بعد الولادة يعتبر مشروباً مستساغاً للضيوف نظراً لنكهته ورائحته الزكية، وهناك أيضا مشروب الكراوية المكون من الأرز المطحون المغلي مع مزيج السكر والمكسرات وبهارات الكراوية حيث يقدم للمهنّئين الذين يتوافدون إلى منزل الأم الحديثة الولادة ولكن بصورة أقل من مشروب القرفة بالسمسم والجوز، كما تقدم بعض أصناف الحلويات بهذه المناسبة وغالباً ما تكون الحلاوة أو الهريسة وهو نوع من الحلويات المصنوعة من السميد والسمن البلدي والسكر وتعمد بعض الأسر إلى توزيع (الهريسة) على الأقارب والجيران.

المولود أيضاً يحظى في هذه الفترة برعاية خاصة من خلال الاهتمام بنظافته، حيث تساعد بعض النسوة المحيطات بالأم وذوات الخبرة بالأمر في تحميم المولود بالماء والملح ثم يعمدن إلى تكفيله أي لفه بقطعة من القماش تسمى (الكفال) أو (القماط) ما يسهل حمله ويضمن له نوماً هانئاً، يحدث هذا رغم ما يثيره أمر هذا (الكفال) من حفيظة بعض النساء العصريات اللاتي يرفضن هذه الطريقة كما يعمد البعض إلى وضع خرزة زرقاء أو كف عليه آية قرآنية درءاً للحسد.

ويعتبر ختان المولود الذكر أو ما يسمى في المنطقة الطهور طقساً مقدساً من طقوس الاحتفال بالمولود الجديد حيث يدعى الأهل والأقارب والجيران للاحتفال بهذه المناسبة وتطلق النسوة الزغاريد وينشدن أهازيج خاصة بالمناسبة ومنها إيدك إيدك يا مطهر الصبيان إيدك إيدك وهي كناية عن الرجاء من المطهر أن يرأف بحال الطفل الصغير، وتوزع الشوكولا والحلويات على المدعوين ويترافق الختان أيضاً بالعقيقة حيث يذبح للمولود ويوزع اللحم على الأقارب والجيران.

ومن بين العادات، التي لا تزال مترسخة بين سكان المنطقة عدم مغادرة الأم ووليدها البيت قبل استكمال أربعين يوماً، وفي أول زيارة تقوم بها الأم إلى بيت أهلها بعد الولادة ينقط المولود الجديد مرة أخرى وهو ما يعرف باسم بردة الرجل وهي كناية عن الزيارة الأولى للمولود الجديد ومن المتعارف عليه أيضاً في هذه الفترة قص شعر المولود ووزن هذا الشعر لمقابلته بزنته من الذهب أو الفضة وتوزيع ما قيمته نقداً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"