علماء يحرّمون فوائد البنوك وآخرون يبيحونها

من أكثر القضايا إثارة للجدل والخلاف
13:00 مساء
قراءة 5 دقائق

لماذا اختلف العلماء حول فوائد البنوك التقليدية بين محرم لهذه الفوائد ومبيح لها؟ وماذا يفعل المسلم أمام هذه الخلافات؟ هل يأخذ برأي المحلين أم المحرمين؟ وهل على المسلم وزر لو أخذ برأي فريق من العلماء وتجاهل رأى الفريق الآخر؟

التساؤلات حول الموقف الشرعي الصحيح من فوائد البنوك التقليدية لا تتوقف رغم صدور فتاوى من مؤسسات فتوى رسمية كبرى مثل مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ودار الإفتاء المصرية، الأمر الذي يستوجب توضيحاً لكي يعرف المسلم البسيط أسلوب التعامل مع هذه القضية الجدلية، وهذا ما سنحاول الوقوف عليه من خلال السطور التالية:

بداية يؤكد د . علي جمعة مفتي مصر أن فوائد البنوك من أكثر القضايا التي اختلف حولها العلماء خلال السنوات الماضية، حيث انقسم العلماء إلى فريقين: الأول يحرم الفوائد المحددة للبنوك ويعتبرها عين الربا المحرم، والثاني لا يرى في تحديد الفائدة خروجاً على ثوابت الإسلام، ولايزال الجدل والخلاف قائماً بين الفريقين، وجماهير المسلمين في حيرة وقلق لا تعرف أي الفريقين على حق، وأي الرأيين هو الصواب .

ويضيف: الواقع أن خلافات العلماء وتعدد اجتهاداتهم حول هذه القضية من الأمور الطبيعية، فالقضية اجتهادية ومعاملات البنوك من الأمور المستحدثة التي لم يأت بشأنها أدلة قاطعة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولذلك فهي تخضع لرؤى العلماء وتقديرهم، ومن الطبيعي أن تختلف الرؤى، وهذا الأمر لا ينبغي أن نحمله أكثر مما يحتمل ونصور المسألة على أن هناك صراعاً وجدالاً حاداً بين العلماء، وأن الجماهير المسلمة في حيرة نتيجة هذا الخلاف، فما دامت القضية اجتهادية وما دام كل فريق من الفريقين يعبر عن رأيه ويذكر اجتهاده من دون تحقير أو تقليل من آراء المخالفين له فواجب الجميع أن يحترم الرأي والرأي الآخر، والمسلم هنا يأخذ بما يطمئن إليه قلبه وليس مفروضاً عليه أن يلتزم برأي من الرأيين حتى لو كان صادراً من جهة رسمية أو منسوباً إلى س أو ص من العلماء .

ويشير الدكتور جمعة إلى أن قضية معاملات البنوك وأسئلة الجماهير والإعلاميين المتكررة حولها كانت وما زالت صداعاً في رأسه منذ توليه مسؤولية دار الإفتاء المصرية، فرغم صدور فتاوى واضحة من المفتين السابقين حول هذه القضية فإن الإلحاح على عرضها من جديد لم يتوقف بعد .

تفريق لابد منه

الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، مفتي مصر السابق يلخص الموقف الشرعي من مسألة فوائد البنوك في فتوى صدرت عنه من قبل يقول فيها: ليس كل التعامل مع البنوك حلالاً وليس كله حراماً، إنما يجب على المسلم أن يحدد بوضوح طريقة تعامله مع البنك أو مع غيره، لأنه إن كان يقصد بتعامله القرض أو الدين أو الوديعة أو المضاربة، فإنه لا يصح له أن يأخذ أكثر من المبلغ الذي أعطاه للبنك، لأن الزيادة ربا محرم شرعاً في حالة القرض، وفي حالة المضاربة تفسد أيضاً، وإن كان يقصد بتعامله توكيل البنك أو غيره في استثمار مبلغ معين مع رضاه لما حدده له البنك أو غيره مقدماً من أرباح فالتعامل هنا جائز .

ويشير الدكتور أحمد الطيب إلى أن جمهور العلماء اختلف في تلك المسألة، فبعضهم يرى أن تحديد البنك للربح مقدماً زمناً ومقداراً على الأموال المستثمرة وشهادات الاستثمار وما يشبه مثل صناديق التوفير، يعد حراماً وغير جائز شرعاً ويرون أن هذا من باب القرض الذي يجر نفعاً، وهو من الربا .

ويرى آخرون أن هذا التحديد حلال وجائز، وأن التعامل في الأموال المستثمرة هو من قبيل المعاملات المستحدثة التي لا تخضع لأي نوع من العقود المسماة، وهي معاملة نافعة للأفراد وللمجتمع وليس فيها استغلال أو غش أو خداع أو ظلم من أحد طرفي التعامل للآخر . وهذا الرأي الأخير هو الذي أقره مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر مؤخراً . وقال في فتواه الذين يتعاملون مع البنوك، ويقومون بتقديم أموالهم ومدخراتهم إلى البنوك لتكون وكيلاً عنهم في استثمارها في معاملاتها المشروعة مقابل ربح مادي يصرف لهم ويحدد مقدماً في مدد مع المتعاملين معه عليها، هذه المعاملة بتلك الصورة حلال ولا شبهة فيها لأنه لم يرد نص في كتاب الله أو من السنة النبوية يمنع هذه المعاملة التي يتم فيها تحديد الربح أو العائد مقدماً ما دام الطرفان يرتضيان هذا النوع من المعاملة . وهذه الفتوى الصادرة من مجمع البحوث الإسلامية التي وافق عليها أغلبية أعضاء المجمع ولم يعترض عليها إلا عدد قليل من العلماء لا تحسم الخلاف القائم حول فوائد البنوك، بل هي مجرد اجتهاد من الاجتهادات .

لذلك يرى الدكتور الطيب أن الأمر متروك للمسلم في أن يختار أياً من الرأيين السابقين حسب ما يراه مناسباً له، فإن اطمأن قلبه وأخذ بما ذهب إليه القول الثاني من أن تحديد المصرف للربح جائز شرعاً فله ذلك . أما إذا لم يطمئن قلبه لهذا القول فعليه أن يتبع ما ذهب إليه القول الأول، وليتذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم البر ما انشرح له صدرك والإثم ما حاك في صدرك، وإن أفتاك عنه الناس .

سعة ومرونة

الدكتور عبدالرحمن العدوي أستاذ الشريعة الإسلامية، عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر من المؤيدين لتحديد الربح مقدماً في معاملات البنوك، لكنه يؤكد أن القضية اجتهادية وتحتمل أكثر من رأي واجتهاد، وتعدد الاجتهادات حولها ليس دليل إدانة للإسلام بل هو مظهر من مظاهر السعة والمرونة في شريعة الإسلام، ولذا لا ينبغي تنفير الناس من هذا الخلاف وتحويله إلى مشاحنات ومعارك وهمية عبر وسائل الإعلام، لأن هذا الافتعال يسيء إلى شريعة الإسلام .

ويضيف: رغم أن أغلبية العلماء لا يرون حرجاً في تحديد الربح مقدماً فإنهم يحترمون آراء المخالفين لهم ولا يزعمون أنهم يملكون الحقيقة، بل هم يقولون: هذا هو اجتهادنا، فمن اقتنع به تعامل مع البنوك التي تحدد الربح مقدماً، ومن لم يقتنع به ويطمئن إليه ذهب إلى البنوك التي لا تحدد وهي موجودة في كثير من البلاد الإسلامية .

أقرب إلى الحرام

الدكتور محمد رأفت عثمان أستاذ الشريعة الإسلامية، عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر من المعترضين على تحديد الربح مقدماً، حيث يراه اقرب إلى الحرام منه إلى الحلال، ويرى أن الجدل والخلاف حول مثل هذه القضايا المتعلقة بالمعاملات المستحدثة من الأمور الطبيعية، وإلزام المسلمين رأياً فيه تضييق عليهم، فقد لا يجد المسلم في المكان الذي يعيش فيه مصرفاً من المصارف التي تطبق المعاملات الإسلامية، وبدلاً من اكتناز ماله أو تركه من دون استثمار يضطر إلى التعامل مع بنك من البنوك التي تحدد الأرباح مقدماً، وإذا لم يكن مستريحاً للفائدة التي يحصل عليها ينفقها في الأعمال الخيرية والإنسانية وهي كثيرة .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"