مسجد شنقيط.. معمار صحراوي ينطق بالبساطة

أداء الصلوات فيه على الرمال تواضعاً
03:49 صباحا
قراءة 4 دقائق

إعداد:فدوى إبراهيم

مسجد شنقيط، الواجهة التراثية التاريخية لموريتانيا، تلك الدولة التي ما زالت تنسب إلى الشناقطة، مئذنته ما زالت على حالها بتغييرات طفيفة منذ إنشائها المرتبط بإنشاء مدينة شنقيط نفسها سنة 660ه -1260م.
صمد بناء مسجد شنقيط لقرون، في منطقة صحراوية تكاد فيها الرمال تجرف كل ما تصادفه، واستطاع أهل شنقيط أن يحافظوا على المعلم الإسلامي، فهو ليس مجرد مكان للعبادة فحسب، بل تاريخ يرتبط بأصحاب الأرض الشناقطة، حتى وإن لم يكونوا من تلك المدينة، فشنقيط كانت على مر القرون مركز إشعاع حضاري وثقافي وتجاري ومركز انطلاق القوافل إلى الحج.
ينفرد مسجد شنقيط بوجود نقوش تعكس ملامح وعي لدى سكانه، ويتضمن شواهد قبور منصوبة شمالي صحن المسجد، ولكنها لا تعني وجود قبور فعلية هناك، بل هي لتذكير المصلين بالدعاء لأموات تحمل النقوش المنصوبة أسماءهم، ولا يعرف من أين استوحي التقليد؟
شنقيط أو شنجيط هو الاسم الذي بات ينسب لموريتانيا، وأصبح أبناؤها يسمون الشناقطة، وتعني «عيون الخيل»، حيث كانت تضم عيوناً من الماء ترتادها الخيول، وبعض المؤرخين يعتقد أن الاسم صنهاجي بينما يعزوه غيرهم إلى «لسان أزير»، وكانت في أوج ازدهارها في نهاية القرن 11ه أو 17 م، وتعتبر الأشهر لأن قوافل الحجيج كانت تنطلق منها، وأشهر الفقهاء الذين بزغوا وانطلقوا صوب المشرق والمغرب كانوا من هناك، وعرفوا بالشناقطة حتى وإن لم ينتموا إليها.

اختلاف على النشأة

تاريخ تأسيس مسجد شنقيط مختلف عليه، ويذكر أحمد مولود ولد أيدّه الهلال في كتابه «مدن موريتانيا العتيقة» أن الروايات تجمع على أن المسجد يرتبط بتأسيس شنقيط سنة 660ه-1260م، وأن المسجد أول ما تم بناؤه في مدينة شنقيط، وأن تأسيسه جاء على يد الجدين الجامعين لقبيلتي الإقلال محمد قلي ويحيى جد إدو علي، ورجلين آخرين هما أعمر وإديجر.
بيد أن هناك مصادر أخرى تؤكد أن تشييد المسجد كان في نهاية القرن 8ه -14م، وفي كلتا الحالتين فإن القرائن الأثرية بحسب الهلال تحيل بناءه إلى العهد الوسيط، وهو المسجد الوحيد الذي بقي أثره من بين المساجد الأخرى في المدن المحيطة والتي تم ذكرها في المصادر التاريخية، وأول من درس هذا المعلم كان «ريمون موني» في العام 1953م قبل ترميمه الأخير، منوهاً إلى أن مئذنته بقيت على حالها من دون تغييرات كبيرة.

لا زخارف ولا تغيير

يتكون المسجد من صحن مفتوح، بيت صلاة، مئذنة، ويعبّر عن معمار صحراوي ينطق بالبساطة من دون أي مبالغة، ويبلغ فناء الصحن (26.5م× 15م) ويتكون من ممر غربي وفي جنوبه مصلى للنساء، وإلى شماله وغربه بعض المساكن المحاذية، ويشار إلى أن محمد بن عبدالله بن الحسن في مطلع 12ه، وهب داره لتوسعة المسجد من ناحية الشمال، حيث يعتبر المسجد الوحيد من بين مساجد المدن المحيطة الذي تحده منازل بصورة مباشرة من دون فاصل من الجهة الشمالية.
ومحراب الصحن عبارة عن مقصورة مربعة لها باب صغير، وإلى يساره سلم يمكن منه الولوج إلى سطح بيت الصلاة، الذي يتسم بالبساطة المعمارية، وحافظ على النمط الأصلي له حتى اليوم رغم ترميمه عدة مرات، وهو ذو شكل مستطيل (30×11م) وارتفاع (3.30 م) ويتكون من 12 بلاطة وأربعة أروقة، وهنالك فتحة إضاءة طبيعية في مستوى سقف المحراب.
وفي سقف بيت الصلاة 11 عموداً في الرواقين الأول والثاني، وعمود في الجدار الشمالي لبيت الصلاة، و8 أعمدة في الرواق الثالث، وتلك الأعمدة غير متجانسة الشكل، فبعضها أسطواني والآخر شبه مربع، وهذا ما يؤكد أن من شيدوها ليسوا نفس البنائين. يطل بيت الصلاة على الصحن من خلال ستة مداخل، أربعة منها على شكل عقود دائرية شبه منكسرة، وينفرد المسجد دون غيره من المساجد المحيطة التاريخية بوجود قاعة مخصصة للنساء.
كانت جذوع النخيل مادة السقف الأصلية، وحين رمم دخلت في تصميمه جذوع نخيل وأشجار. أما محراب ومنبر مسجد شنقيط فيمثلان البساطة الشديدة، فلا زخارف فيهما، ويعتلى المنبر بواسطة 3 درجات خشبية، ويحتفظ ببساطته برغم عمليات الترميم التي تمت في المكان.
ومن الجدير بالذكر أن بيت الصلاة في مسجد شنقيط مازال يحتفظ بتقليد قديم فهو، غير مفروش للصلاة، من باب التواضع، ويؤدي المصلون صلواتهم على الرمال الناعمة.

رمز ثقافي

تعتبر مئذنة مسجد شنقيط العنصر الأكثر تميزاً معمارياً من حيث الجمالية والتاريخية، كما تعتبر الأجمل من بين المساجد المحيطة، تقع المئذنة في الزاوية الجنوبية الغربية لبيت الصلاة، وتتخذ شكلاً مربعاً ذا جذع هرمي ناقص، هذا التميز جعلها توظف في الشعارات الوطنية الخاصة بتاريخ الثقافة العربية الإسلامية بموريتانيا، فهي تشكل رمزاً يجسد ثقافة بلاد شنقيط خلال القرنين 12 و13 الهجريين.
ويعتبر المؤرخون المئذنة الجزء الوحيد المتبقي من المسجد الأصلي بافتراض عدم تغيرها بأي عمليات ترميم جذرية خلال القرون، واستخدم في تشييدها صنفان من الحجارة، فالجزء السفلي مرتبط ببناء بيت الصلاة المبني من حجارة محلية من شنقيط داكنة اللون، والجزء العلوي من حجارة فاتحة جلبت على نفقة تاجر قوافل يدعى ولد أخليفة من المدن المجاورة. ولم تخل المئذنة من الزخارف، فزواياها الأربعة مزينة ببيض النعام وهو عنصر زخرفة صحراوي، وتحمل زخارف في واجهات جدرانها عدا الجنوبية منها، أما قمتها فتبدو على شكل عمامة مربعة الشكل.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"