«الناتو» أمام أسئلة وجودية

04:09 صباحا
قراءة 3 دقائق
د.غسان العزي

تفادياً لتوتر جديد على غرار ما حصل في قمة بروكسل للحلف في صيف العام الماضي، اتُفقَ بالاكتفاء بلقاء صباحي في الضاحية اللندنية راتفورد يتكلم فيه كل زعيم دولة عضو لمدة ثلاث دقائق قبل نقاش عام لا يصدر بعده أكثر من بيان ختامي مقتضب. لم تكن قمة في الرابع من الشهر الجاري، بل مجرد احتفال بمرور سبعين عاماً على ولادة «الحلف الأنجح في التاريخ» كما يصفه أمينه العام بنس ستولتنبرغ الذي يعتقد بأن الرئيس ترامب لا يعتقد فعلاً بأن «الناتو تخطاه الزمن» بل جل ما يفعله هو حث الشركاء على «تقاسم الأعباء».

خلافات كثيرة جداً تعصف بالحلف في هذه الأيام، وبعضها يتسبب بأزمة حقيقية تطرح أسئلة وجودية. فمنذ وصوله إلى السلطة لا يعدم ترامب مناسبة دون أن يشكك بجدوى الحلف ويتسبب بتوتر شديد في القمم التي تجمعه بالحلفاء، ويعتبر بعضهم أنه بانسحابه المفاجئ من سوريا من دون التنسيق معهم يكون قد خرق القاعدة التي فرضتها واشنطن نفسها منذ حروب أفغانستان والعراق ثم سوريا وهي «ندخل معاً ونخرج معاً». وقد تخلى عن حلفائه الأكراد وتركهم يواجهون مصيرهم أمام الهجوم التركي في الشمال السوري. سلوك ترامب عموماً وتخليه عن ضمان الأمن الأوروبي وتشجيعه لبريطانيا على الخروج من الاتحاد الأوروبي وللدول الأوروبية الأخرى بأن تحذو حذوها، وخروجه من اتفاقية باريس للمناخ والاتفاق النووي الإيراني ثم من معاهدة الأسلحة النووية متوسطة المدى الموقعة مع روسيا، يشي بأنه لم يعد يعير اهتماماً لا للناتو ولا للحلفاء الأوروبيين. ولا يقتنع هؤلاء بتطمينات وزير الخارجية بومبيو الذي أعلن خلال زيارته لبرلين بمناسبة الذكرى الثلاثين لسقوط جدار برلين بأن «الناتو يبقى أحد أهم الشركاء الاستراتيجيين الأساسيين في التاريخ»، فقد رد عليه السناتور الديمقراطي كريس مورفي بالتعبير عن قلقه من أن «الهجومات المستمرة لترامب على الناتو وإهمال الحلفاء زعزعت الثقة بالأمن الجماعي، إنها كارثة».

بدورها تتسبب العلاقة التركية-الأطلسية بأزمة ثقة عميقة في الحلف إلى درجة أن أصواتاً بدأت ترتفع في صفوفه تطالب بطرد أنقرة بسبب تدخلها في سوريا الذي يدوس على مبادئ الناتو القائمة على الدفاع عن الديمقراطية والذي يهدد توازنات المنطقة والأمن الأوروبي نفسه.

على صعيد آخر تسببت مقابلة الرئيس ماكرون التي نشرت في «الإيكونوميست» بعاصفة لاسيما قوله بأن «حلف الأطلسي يعاني سكتة دماغية». وقد تساءل ماكرون حول المادة الخامسة من معاهدة واشنطن للعام ١٩٤٩:«إذا قرر نظام بشار الأسد الرد عسكرياً على تركيا هل سننبري للدفاع عنها؟ إنه سؤال حقيقي». ودافع ماكرون عن «السيادة العسكرية لأوروبا» فأغاظ أمين عام الحلف ستولتنبرغ الذي رد بالقول:«إن كل محاولة لإبعاد أوروبا عن أمريكا الشمالية تضعف الحلف كما تزرع الانقسام في أوروبا نفسها، والاتحاد الأوروبي لا يستطيع الدفاع عن أوروبا».

مشكلة ماكرون مع حلفائه أنه يفرط في التقارب مع روسيا بوتين. حوار الرجلين المتقدم دفع ستولتنبرغ إلى دعوته لأن تكون «هذه العلاقة متفقة مع الخطوط المرسومة»و في إطار «الحزم في الحوار» لمواجهة «التحدي الاستراتيجي» الذي يفرضه بوتين على«الحلف الذي ينبغي أن يتكلم بصوت واحد». لكن وزير الخارجية الفرنسي الأسبق أوبير فدرين يوضح بأن التقارب الفرنسي-الروسي هو «مسألة إعادة بناء علاقة واقعية مع روسيا لأنها بلد مجاور ولتفادي دفعها نحو الصين. إنه حساب بارد باسم البراغماتية وليس أيديولوجية».

هناك اتفاق فرنسي-ألماني على هذه العلاقة فألمانيا تستورد الطاقة من روسيا بمليارات الدولارات، في حين أن دول أوروبا الشرقية والوسطى تتوجس من موسكو، لكن بين باريس وبرلين خلاف استراتيجي إذ إن الأولى تتطلع إلى ما بعد الناتو وتحديداً الاستقلال الاستراتيجي عن واشنطن، في حين أن الثانية تعتبر الناتو أولوية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في العلوم السياسية وشغل استاذاً للعلاقات الدولية والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية ومشرفاً على اطروحات الدكتوراه ايضاً .. أستاذ زائر في جامعات عربية وفرنسية.. صاحب مؤلفات ودراسات في الشؤون الدولية باللغتين العربية والفرنسية.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"