أما حان لقانون العمل أن يتجدد ؟ (1 - 2 )

03:28 صباحا
قراءة 4 دقائق
بالرغم من التعديلات في قانون العمل بدولة الامارات إلا أننا بحاجة إلى قانون جديد وتغييرات جذرية تنافس أفضل الممارسات القانونية العمالية في العالم وتكون أكثر تنافسية من الدول المتقدمة لجذب أفضل القوى العاملة وأكثرها حرفية
رأينا خلال السنوات الماضية طفرة في التشريعات وسن القوانين لمواكبة التطورات التي تشهدها دولة الإمارات في كل المجالات، وكان من أبرزها قانون الشركات الجديد رقم 2 لسنة 2015، وقانون الإفلاس رقم 9 لسنة 2016، والآن نحن نتطلع إلى قانون عمل جديد فيه تغييرات جذرية وقفزات نوعية تواكب سرعة التطورات التي تشهدها الدولة على كل الأصعدة، وترتقي لرؤية الحكومة الرشيدة في جعلها أفضل مكان للعمل والعيش فيه.
بشكل عام إن الهدف الأساسي لأي قانون عمل هو إقامة التوازن بين أهم شريحتين في المجتمع أطراف العلاقة. (العمال، والموظفون، وأصحاب العمل) وأيضاً إقامة التوازن بين الالتزامات النابعة منها وهي العمل والأجرة، وكلاهما يشكلان عنصراً أساسياً في بناء الاقتصاد الوطني. وحين نتحدث عن قانون العمل فإننا نتحدث عن موضوع في غاية الأهمية، وهذه الأهمية نابعة من عدة جهات، وهي باختصار شديد، العلاقة العمالية هي العنصر الجوهري في بناء الاقتصاد القومي، وأن أصحاب العلاقة هم أشخاص، ولها جانب إنساني مما يجعل قانون العمل بالنسبة لهم في المقام الأول؛ لأنه يتدخل في تفاصيل حياتهم اليومية، وينعكس على حياتهم العائلية. فهو الذي يتولى تحديد ساعات العمل وأوقاته وأيام الراحة الأسبوعية والإجازات السنوية والمرضية، كما ينظم أهم شيء في حياة العمال وحياة أسرهم. ثانياً، إن قانون العمل يغطي أكبر شريحة من الناحية العددية في المجتمع وهي العمال، في مواجهة أصحاب الأعمال في القطاع الخاص، والذي يعتبر القطاع والمحرك الأساسي لأي اقتصاد؛ حيث إن قانون العمل يمكن أن يكون جاذباً أو طارداً للأيدي العاملة، خصوصاً الماهرة وذات الحرفية العالية.

أما بشكل خاص فإن قانون العمل في دولة الإمارات رقم 8 لعام 1980 هو قانون اتحادي ينظم علاقات العمل في مختلف أنحاء البلاد. ويُعدل القانون بصفة منتظمة من خلال قرارات وزارية تصدرها وزارة الموارد البشرية والتوطين (وزارة العمل سابقاً) ويقرها مجلس الوزراء. وتنطبق بنوده على المواطنين والوافدين. وتتولى الوزارة المسؤولية عن تطبيق القانون الاتحادي. وفي هذا السياق نحن نثمن دائماً دور وجهود وزارة الموارد البشرية والتوطين في تطوير التشريعات المنظمة لسوق العمل؛ لتأكيد الانتقال به إلى مرحلة جديدة تقوم على أساس إرساء وتعزيز علاقات عمل متوازنة ومنتجة بين طرفيها أخذ الخطوات البناءة والمبادرات الاستباقية والقرارات المدروسة؛ لإدخال التعديلات والتغييرات الجوهرية من حين إلى آخر لضمان توازن سوق العمل، من هذه القرارات التي صدرت مؤخراً لبعض أحكام قانون العمل على سبيل المثال لا الحصر: حماية الأجور من خلال نظام فعّال يضمن وصول الأجر للعامل بدون تأخير، والسماح للطلبة سواء كانوا مواطنين أو مقيمين بالعمل، وتمكينهم من التدريب والعمل في منشآت القطاع الخاص ومعاملتهم كالعمال العاديين الذين يعملون في ظروف مماثلة، وذلك من خلال جميع الاستحقاقات والمزايا. أيضاً من هذه القرارات حزمة التعديلات الجديدة التي صدرت مؤخراً في شأن العمل بنماذج العقود المعتمدة من الوزارة، وحالات انتهاء علاقة العمل ومنح العامل تصريحَ عمل جديداً، وكل هذه تطورات إيجابية جداً وسباقة. ولكن بالرغم من هذه التعديلات والتغييرات إلا أننا نعتقد أننا بحاجة إلى قانون عمل جديد، فيه تعديلات وتغييرات جذرية تنافس أفضل الممارسات القانونية العمالية، وهذه الحاجة نابعة من عدة أسباب ومن أهمها: أولاً، لابد من مواكبة أسواق العمل العالمية، ونكون أكثر تنافسية من الدول المتقدمة؛ لجذب أفضل القوى العاملة وأكثرها حرفية. ثانياً، نحن بحاجة إلى هذا التجديد؛ لمواكبة سرعة التطورات والطفرة المعمارية التي تشهدها الدولة في كل الميادين، وثالثاً، لجذب الكثير من المواطنين للقطاع الخاص، وإعطائهم مميزات مشابهة أو قريبة من مميزات القطاع الحكومي.

فالسؤال الذي يطرح نفسه هنا، ما هي التعديلات الضرورية التي يحتاجها القانون؟ فهناك الكثير منها، ولكن أوّد أن أذكر بعضها، أولاً، موضوع الإجازات ومنها زيادة إجازة الوضع أو الأمومة؛ حيث إن إجازة الأمومة حسب القانون الحالي «هي 45 يوماً براتب كامل، بل وبعد إنجاب الطفل، وذلك شريطة أن تكون قد عملت في مكان عملها لمدة سنة. أما إذا كانت موظفة لمدة تقل عن سنة، فستكون مؤهلة لنفس المدة من إجازة الأمومة، ولكن بنصف الراتب». الكل يتفق أن المرأة الموظفة تستحق كل الرعاية والاهتمام، وخصوصاً أنها تهب وتنتج الجيل الجديد للمجتمع، بالإضافة إلى أنها عنصر منتج وفعّال فيه، فلا بد من مكافأتها من خلال إعطائها الإجازة الكافية لرعاية مولودها وإعادة نشاطها للرجوع إلى العمل بكامل طاقتها. ومن هنا لابد من تقديم الشكر الجزيل إلى مبادرة سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، بتشكيل لجنة لدراسة قانون إجازة الوضع والأمومة؛ لضمان توفير بيئة عمل داعمة للمرأة، بما يتماشى مع أفضل الممارسات العالمية، وتفعيل مؤشرات التوازن بين الجنسين في مختلف القطاعات في الدولة.

وبلا شك فإن إبقاء إجازة الأمومة كما هي حسب القانون الحالي يؤثر سلباً في القوى العاملة من النساء؛ حيث إن لدى المرأة الكثير من المهارات، والأفكار، والإبداعات التي يمكن أن تضيفها، وأن عدم وضع سياسات تدعم النساء للعودة إلى عملهن، والاستمرار في مساهماتهن بعد إجازة الأمومة، سيؤدي بالشركات إلى خسارة الكثير من المواهب، وإلى عدم التزام الموظفات بالمؤسسة على المدى الطويل. بالمقابل فإن الدول التي تجذب عدداً كبيراً من القوى العاملة النسائية والتي تساهم في قوة الاقتصاد، هي الدول التي تميل سياساتها لتكون أكثر مرونة في هذا الشأن، وإعطاء إجازة قد تصل إلى ستة أشهر للمرأة كإجازة الأمومة.

وهنا لا بد من إدخال نوع جديد من الإجازات وهي إجازة الأبوة للموظف؛ حيث إن القانون الحالي لا يتضمن أي إجازة بهذا الشأن للآباء الذين تضع نساؤهم مواليد جدداً أو للقائمين على رعاية زوجاتهم صحياً. وأخيراً، فلا بد من المساواة في الإجازات ما بين القطاع العام والخاص، وأعتقد أن ذلك سيساهم بحد كبير في تشجيع وانخراط المواطنين في القطاع الخاص.

*محمد أبو شعبان

مستشار قانوني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​*مستشار قانوني

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"