لتكن التسويات الودية البديل الأمثل في ظل «كورونا» (2-2)

01:02 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمد أبو شعبان *

السؤال المطروح، كيف يمكن تحقيق تسويات ودية للنزاعات، وأن يتم جمع أطراف على طاولة التفاوض بشكل مباشر وجهاً لوجه وإقناعهم بأنها البديل الأمثل لفض المنازعات التجارية التي نشبت نتيجة الفيروس؟ للإجابة على هذا السؤال، فلابد من استعراض الفوائد التي ستُجنى من التسويات الودية وهي كثيرة وقد تكون معروفة لدى الغالب، وهي توفير الوقت والسرعة بالبت في الخلافات، وهذا الأمر في غاية الأهمية خصوصاً لكل من يمارس الأعمال التجارية، لأنها تسرع في تعافي الأعمال وتخفيف الأضرار والمضي قدماً للبدء من جديد، وهذا من شأنه أن يخفف من الأعباء الاقتصادية ودفع عجلة النمو. بالإضافة لذلك، سيعمل على توفير التكلفة المادية لعدم الحاجة لدفع رسوم المحاكم ورسوم تعيين الخبراء، وهذا من شأنه تخفيف الضغط على كاهل المحاكم والتي ستشهد بعد انتهاء جائحة «كورونا» كمية هائلة من الدعاوى.

أما الفوائد الإضافية والمهمة لحل النزاعات ودياً والتي يغفل عنها معظم الناس، حيث إن الأصل في التسويات الودية خارج المحاكم هو الحفاظ على ودية واستمرار العلاقة بين الناس اجتماعياً وتجارياً. حتى ولو اضطر أحد الأطراف لدفع تسوية أكثر أو قبول ما هو أقل مما كان متوقع مسبقاً، إلا أنه سيتم جني مكاسب نفسية وتجارية على المدى المتوسط والبعيد. أيضاً، أن فض النزاعات بشكل ودي سيضمن سرية المعلومات الخاصة بالأطراف وحفظ خصوصيتهم بشكل كامل حيث إن التقاضي بشكل عام هو علني ويتم نشر أحكام المحاكم. كما أن التسويات الودية هي أكثر مرونة لاحتضان احتياجات الأطراف للتوصل لحل يخدم الطرفين.

وفي هذا السياق فلا بد من أن نشير إلى أن تحقيق مثل هذه التسويات الودية وجني فوائدها، من تضافر الجهود وتوحيد الرغبات لعمل ذلك، ولا بد أن يشعر الطرف خصوصاً الأفراد والشركات الصغيرة والمتوسطة أن الشركات الكبيرة العملاقة التي تعاقدوا معها سواء كانت شركات عقارية أو بنوك أو تأمين، أن تشعر أن الطرف القوي بالمعادلة التعاقدية هو متفهم للظروف وليّن في التفاوض مع الطرف الأضعف، وهو سيأخذ بيد الطرف الأضعف لإيصاله إلى بر الأمان، وإذا لم تقم هذه الشركات الكبيرة باستيعاب احتياجات الأفراد أو الشركات الصغيرة والمتوسطة والتواصل معها لتسوية ودية، فإن ذلك سيؤدي إلى خلق نوع من عدم الثقة بالتسويات الودية، وبالتالي سيضطر الأفراد أو مُلاك هذه الشركات الصغيرة والمتوسطة، إما إلى مواجهة الإفلاس أو الهروب باعتبار أن هذا الحل هو أنسب له لتفادي أي عواقب قانونية نتيجة عدم إمكانية الوفاء بالالتزامات التعاقدية، أو حتى عجزه عن المواجهة القضائية لأن ذلك سيكون مكلفاً للغاية.

وفي النهاية، وفي ظل هذه الظروف المحيطة بنا، فإننا اليوم بحاجة ماسة إلى نشر ثقافة تسوية المنازعات ودياً وتعميم فضائلها وإيجابياتها وتعريف الناس بها، وكذلك تشجيع اللجوء إليها بما يخفف أعباء الأجهزة القضائية وتوفير للمال العام، إن فيروس «كورونا» يمثل لنا فرصة لخلق وابتكار حلول جديدة أو حتى تطبيق بدائل كانت أصلاً موجودة لحل النزاعات التجارية بشكل غير تقليدي، وزرع الإرادة التي يمكن من خلالها تجاوز هذه الخلافات التجارية بأقصر فترة ممكنة وبأقل الخسائر. وبلاشك فنحن نرى هنا أن التسويات الودية هي البديل الأمثل في ظل «كورونا» وما بعدها وعلى الأخص فيما يتعلق بالمنازعات غير المعقدة، بدلاً عن الأسلوب التقليدي ألا وهو اللجوء إلى المحاكم لفض النزاعات التجارية، لما لها من فوائد ومميزات يجعلها الوسيلة الأفضل في ظل «كورونا» وما بعدها.

* مستشار قانوني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​*مستشار قانوني

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"