لتكن التسويات الودية البديل الأمثل في ظل «كورونا» وما بعدها (1-2)

00:36 صباحا
قراءة 4 دقائق
محمد أبو شعبان *

عدم قدرة الأطراف المتعاقدة وعجزها التام عن أداء التزاماتها التعاقدية التي قامت بإبرامها قبل انتشار الفيروس، سيؤدي إلى ضعف دوران عجلة الإنتاج، وبالتالي إلى إعاقة أداء الشركات.

«كورونا» ذلك الفيروس الذى حير العلم والعلماء وأصحاب القرار والشعوب على حد سواء، ذلك الفيروس الذي اقتحم الحياة وعطل الأعمال وشل الحركة بأكملها دون إذن أو مقدمات وتركنا مساجين في البيوت. وبلا شك فإن هذا الفيروس الذي زلزل الكرة الأرضية بأسرها، ترك ومازال يترك تداعيات وتحديات صحية ونفسية واقتصادية واجتماعية وسياسية وقانونية، ولم يترك قطاع أو مجال إلا وقد قام بالتأثير عليه سلباً.

الآثار التي جاء بها هذا الفيروس هي جمة لا تُعد ولا تُحصى، وقد استطاعت قلب الحياة رأساً على عقب خلال فترة وجيزة، وقد أثرت بشكل كبير في الحياة من جميع جوانبها، ولم تفرق ما بين كبير وصغير وما بين غني ولا فقير ولم تترك دين أو عرق بمأمن منها، فهي اجتاحت الكرة الأرضية اجتياحاً عارماً وحاربت البشرية بلا هوادة.

نحن لسنا هنا بصدد الخوض في تعريف فيروس «كورونا» أو وصفه أكثر مما ذكر أعلاه، ولا نريد أن نستعرض الآثار الطبية الناتجة عن الفيروس ولن نحلل موضوع إمكانية اكتشاف لقاح ولا عن مصدره ولا حتى إن كان الفيروس تم تصنيعه بشرياً أو غير ذلك ولا عن عدد الإصابات وعدد الوفيات المؤسفة التي نتجت عن هذه الجائحة، فما يهمنا هنا هو ما تسبب به الفيروس من ركود اقتصادي عالمي تجاوزت آثاره كل الأزمات المالية السابقة، كما ترتب عليه عدم قدرة الأشخاص على الوفاء بالالتزامات التعاقدية والمالية سواء كانوا أشخاصاً طبيعيين أم شخصيات اعتبارية (كالشركات والمؤسسات التجارية) ومعظم هذه الالتزامات تتمثل في دفع المستحقات للطرف المتعاقد معه سواء من أجور أو رواتب أو إيجارات (سكنية أو تجارية) أو أتعاب أو مستحقات أو دفعات أو حتى القدرة على إيصال بضائع أو خدمات.

وبلا شك فإن عدم قدرة الأطراف المتعاقدة وعجزهم التام على أداء التزاماتهم التعاقدية التي قاموا بإبرامها قبل انتشار الفيروس، سيؤدي إلى ضعف دوران عجلة الإنتاج وبالتالي إلى إعاقة أداء الشركات لارتباط العديد من الالتزامات ببعضها البعض فإخلال المورد في أداء التزاماته سيؤدي إلى إخلال صاحب العمل في إنجاز أعماله وهكذا. الأمر الذي سيؤدي كذلك إلى لجوء العديد من الأطراف المتعاقدة إلى القضاء للحصول على مستحقاتهم وحماية مصالحهم، وقد يكون من شأن ذلك التنفيذ الجبري على الطرف الآخر أو حتى وضعه تحت المساءلة الجزائية. لكن ما سيزيد من الصعوبات القانونية هو استمرار تداعيات «كورونا» على المنازعات والخلافات التجارية حيث ما زالت هذه الصعوبات تتعمق ولم تصل بعد إلى القاع، وعليه سنشهد تحولاً كبيراً في شكل هذه النزاعات وآلية تسويتها الآن ومستقبلاً.

كقانونيين، لابد أن نكون مستعدين للتغيير القادم لأنه آتٍ لا محالة، وسيفرض علينا شئنا أم أبيناً، كما يجب علينا أيضاً استشراف المستقبل القانوني للتعامل مع الإفرازات الناتجة من الفيروس، بل يجب أن يتعدى ذلك استشراف لكوارث أخرى قد تطرأ على العالم مستقبلاً. ومن هذا الباب، نودّ أن نطرح تساؤلات كثيرة بخصوص النتائج التي أفرزها الفيروس على المعاملات التجارية وما يتخللها من عقود ونشأ عنها من تفاصيل، ونريد من ناحية قانونية أن نرى كيفية وآلية لفض النزاعات والخلافات التجارية، من هذه التساؤلات هي مدى استجابة القوانين الحالية للتعامل مع الآثار التعاقدية الناتجة من «كورونا»؟ وعلى قدرتها للتغيير والتطوير لمواكبة القضايا ذات الطبيعة المختلفة نتيجة هذا الفيروس؟ أيضاً، لابد من أن نتساءل حول إمكانية امتصاص العدد الهائل من القضايا التي ستظهر على السطح في المحاكم في ظل «كورونا» وما بعدها؟ وهل لدى الأطراف المتنازعة القدرة على التعامل مع الالتزامات والواجبات القانونية المترتبة عليهم من العقود، خصوصاً أن هذا الفيروس تم تصنيفه من أغلب القانونيين بأنه يندرج تحت بند القوة القاهرة؟ ولكن نحن بانتظار قرارات قضائية تقر هذا الأمر، فكل ما يحدث حالياً هو اجتهادات قانونية لم تطبق عملياً.

نحن نؤمن أن لكل مشكلة حلاً وأن أطراف التعاقد لو كانت لديهم الرغبة الجدية لحل الخلافات ودياً، فإنهم ولابد أن يصلوا إلى حل ودي ومرضٍ، حتى لو كان ذلك في ظل وجود «كورونا» أو ما بعدها. وللعلم بالشيء هو أن التسوية الودية لفض النزاعات والخلافات التجارية تتم خارج المحاكم وتتمثل بقيام أطراف العقد بالتفاوض حول إنهاء الخلاف بطرق المفاوضات المباشرة أو من خلال شخص محايد أو جهة لهم خبرة ودراية قانونية وتجارية أو حتى في موضوع النزاع وهذا ما يسمى بالوساطة والذي يعد أسلوباً بديلاً لفض النزاعات وهي أسلوب حضاري وراقٍ لحل المنازعات بصورة ودية عن طريق التراضي والتوفيق بين الخصوم بعيداً عن الحزم والإجبار، بإجراءات أكثر مرونة.

نحن نرى في ظل فيروس «كورونا» وما بعده أن الوضع أصبح وسيصبح استثنائياً، وبالتالي يجب ابتكار طرق وأساليب وأدوات استثنائية، ويجب على أطراف النزاع التفكير بشكل استثنائي، لأننا نرى أن الأسلوب التقليدي سواء عبر اللجوء إلى المحاكم أو حتى اللجوء للتحكيم لن يكون الخيار الأول للأطراف لحل النزاعات والخلافات التجارية كما كان معمولاً به من قبل فيروس «كورونا» حيث إن عامل التكلفة وطول المدة عامل أساسي في حل ما خلفته أزمة كورونا.

* مستشار قانوني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​*مستشار قانوني

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"