أنقذوا جزيرة زعاب

14:19 مساء
قراءة 3 دقائق

عندما يسكن الهم عقلك وقلبك ووجدانك يصبح مع الأيام مؤرقاً، وتحاول من خلال التفكير فيه التمحيص والبحث عن أنسب الحلول لإزالة ولو جزءاً بسيطاً من هذا الهم. ولكن الهم الوطني أحد أهم الهموم التي تسكن المواطن طوال حياته، ويسعى إلى إبرازه على الساحة بكافة مجالاتها، للوصول به إلى بر الأمان. وتعلمنا منذ الصغر السعي إلى تأصيل الهوية الوطنية والمحافظة على العادات والتقاليد والموروثات الشعبية بكافة أنواعها، والمكتسبات الأثرية والتاريخية التي خلّفها لنا الآباء والأجداد منذ القدم.

وهذا ما دعا إليه المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه في أكثر من موقف، وطالب بالحفاظ على التراث وما تناقلته الأجيال، ومحاولة إحيائه حتى لا يندثر. وصرح بمقولته الشهيرة (من لا ماضي له لا حاضر ولا مستقبل له) فكان هو المبادر، وأعطى أوامره بالحفاظ على الموروث، وقام بإنشاء المؤسسات الوطنية التي تحفظ هذه المكتسبات سواء تاريخية أو تراثية أو بيئية أو عن الحياة الاجتماعية.

وبما أن الدولة شهدت منذ تأسيسها نهضة عمرانية شملت كافة إمارات الدولة وهذا شيء طبيعي لتصبح مع الأيام معلماً حضارياً في التقدم العمراني ينافس دول العالم في البناء والتعمير، ولكن في ظل هذه الطفرة العمرانية أخذت المكتسبات التاريخية تندثر مع الأيام دون قصد وإن لم ننتبه إليها سوف تبقى ذكرى في الكتب مع السنين، وأنا على يقين بأن أغلب المؤسسات تسعى جاهدة إلى الحفاظ ولو على جزء بسيط.

ولكن نحتاج إلى جهود جبارة، وجعل هذا الهم الوطني الحيوي والمهم من أولوياتنا اليومية كالهواء والطعام والشراب الذي لا نستغني عنه، ومحاولة إعطائه حقه في وضع الخطط والأهداف التي تمكن من إبرازه بالصورة المشرفة. ويوجد على أرض الإمارات العديد من هذه الأماكن التاريخية الشاهدة على تاريخ إنسان هذه البقعة وكيف عاش.. وجزيرة زعاب إحدى أهم هذه المناطق التاريخية التي لا تزال باقية على ما هي عليه حتى الآن.

ولا يخفى عليكم أنها معلم تاريخي شاهد على أجيال تعاقبت عليها، وأصبح لها مع الأيام تاريخ تعتد به، وتفخر بمن سكنها وأعطى لبقائها. تقع جزيرة زعاب في شمال الخليج العربي بإمارة رأس الخيمة على بعد 17 كيلومتراً من جهة الجنوب الغربي للمدينة، وتعتبر شبه جزيرة وترتبط بالبر من طرفها الجنوب الغربي، واختلفت الروايات في تسميتها بالجزيرة الحمراء، ويقال نسبة لتعرضها لحروب دامية إبان حملات القوات البريطانية وقتل فيها الكثير من الأفراد، وهناك رواية تقول إن الجزيرة يحيط بها المرجان الأحمر (الغشق الأحمر) على طول ساحلها البحري وبسببها كان يشكل نوعاً من الصد الطبيعي لسفن القوات البحرية البريطانية.

كما تسمى الجزيرة بجزيرة زعاب نسبة لقبيلة زعاب التي سكنتها منذ مئات السنين، ولعبت دوراً كبيراً ضمن حلف القواسم، وعمل أهلها في صيد الأسماك، ومجال الغوص، والبحث عن اللؤلؤ والزراعة، وتنقسم الجزيرة إلى ثلاثة فرجان ومفردها (فريج).. الفريج الغربي ويقع من جهة الغرب، وفريج المناخ ويسمى فريج الشيوخ، وسمي بالمناخ نسبة إلى كونه مكان إناخة الجمال، والفريج الثالث فريج الميان أي (الوسط) الذي يقع بين الفريج الغربي والشيوخ. وتشتهر الفرجان بكثرة مساجدها حيث يقع في كل فريج ثلاثة مساجد.

كما اشتهرت الجزيرة بسوقها الشعبي الذي يقع على الساحل الشمالي من الجزيرة جهة الشرق بالقرب من الخور، وتوجد آثار لمنازل بنيت بطريقة معمارية وفنية مزينة بالنقوش والأبواب والأعمدة التي تدل على تميز ابن هذه المنطقة في البناء والنقش سواء المحلي أو المتأثر بمن حوله من البيئات المختلفة. ومع مطلع سبعينات القرن الماضي رحلت أغلب الأسر عن الجزيرة نتيجة للتطور العمراني في مناطق أخرى، أو بحث عن فرص عمل جديدة مما أدى الى بقائها مهجورة. وحتى لا يطال هذه المنطقة هذا التطور نطالب ببقاء جزيرة زعاب على حالها والسعي والتكاتف من أجل إعادة إحيائها لتبقى نموذجاً معمارياً يسعى إليه القاصي والداني. ونطالب بتكاتف الجهات المعنية لجعلها منطقة أثرية نحافظ عليها من الاندثار.

أنقذوا جزيرة زعاب، فلنجعله شعاراً لحملة تبدأ من الآن، ويتعاون في إبرازها وتوصيلها لأصحاب القرار كل من يسكنه هذا الهم الوطني حتى لا نندم مع فوات الأوان.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"