إلى متى يصمد اقتصاد إيران؟

01:00 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. أيمن علي *

أكثر التقديرات تفاؤلاً كانت تشير إلى أن إيران بإمكانها خسارة أقل من نصف صادراتها وتستمر قادرة على الصمود. اليوم لا تزيد الصادرات على الخمس وبالتالي فالحديث عن صمود اقتصادي مجرد «عنترية لفظية».
مع تصعيد إيران لخطواتها بالعودة لتخصيب اليورانيوم بدرجات أعلى وتكديسه بكميات أكبر مما هو منصوص عليه في الاتفاق بينها وبين القوى الكبرى في 2015 تزيد احتمالات اضطرار الدول الأوروبية الأعضاء في الاتفاق (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) لاتخاذ خطوات عقابية ضد طهران. وحتى الآن، أقدمت إيران على خطوتين وتهدد بثالثة ما لم يعوض الأوروبيون طهران عن تبعات خروج الولايات المتحدة من الاتفاق العام الماضي.
وإذا كان الموقف الأوروبي يبدو حتى الآن أقرب لموقف الصين وروسيا (الموقعتين على الاتفاق النووي مع إيران) منه لموقف الولايات المتحدة، إلا إن ذلك قابل للتغيير في حال استمرار الأزمة. وربما تبدأ أوروبا في إعادة جزئية لبعض العقوبات التي رفعت عن إيران في 2016 تنفيذاً للاتفاق. على أن يعد ذلك نوعاً من الضغط المقابل كي تبقى إيران ملتزمة ببنود الاتفاق فيما يتعلق بنشاطها النووي وأيضا للضغط باتجاه الإتيان بطهران إلى مائدة المفاوضات، كما تريد الولايات المتحدة لبحث اتفاق جديد يطال كافة نشاطات إيران التي تهدد جيرانها وأمن المنطقة والعالم.
ربما يرى البعض أن إيران لا تزال قادرة على تحمل العبء الاقتصادي للعقوبات الأمريكية حتى الآن، لكن استمرار الولايات المتحدة في سياسة «أقصى ضغط» سيجعل طهران غير قادرة على التحمل وربما يصل اقتصادها إلى «نقطة لا عودة» يصعب معها تحقيق ما يصرح به الرئيس الأمريكي من ازدهار اقتصادي في ظل اتفاق جديد.
منذ صيف العام الماضي، حين بدأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فرض العقوبات الامريكية على إيران مجددا إثر انسحابه من الاتفاق النووي، أخذ الاقتصاد الإيراني في التدهور بوتيرة متسارعة. وإن ظلت القيادة الايرانية تقدر أنها يمكنها مواجهة العقوبات الجديدة إذا توصلت مع الأوروبيين لترتيبات تخفف من حدتها، كما أن العقوبات في بدايتها وفرت سماحاً لست دول تستورد النفط الإيراني معفية من تلك العقوبات، منها الصين واليابان والهند - أهم المستوردين للنفط الإيراني.
لكن منذ مطلع مايو/ أيار الماضي ألغت الولايات المتحدة تلك الإعفاءات، ما جعل صادرات إيران من النفط تهوي إلى مستوى 300 ألف برميل يومياً في شهر يونيو /حزيران الأخير. ولتصور مستوى التدهور يذكر أن صادرات إيران حتى 2017 كانت عند 2.5 مليون برميل يومياً.
حاولت إيران في البداية إقناع الصين والهند بإمكانية استيراد نفطها وحسم العائدات من خلال توريد سلع وخدمات، دون الحاجة للنظام المالي العالمي، إلا أن البلدين ترددا في أي خرق صريح للعقوبات الأمريكية وتجاوز إلغاء الإعفاء لأن مصالحهما مع أمريكا اقتصادياً أكبر بكثير من مجرد أفضلية نفطية لمئات آلاف البراميل الإيرانية.
وإذا تحدثت مع أي شخص داخل إيران تشعر بسرعة بمدى معاناة الإيرانيين من ضغط العقوبات الذي ينعكس على كل شيء في حياتهم. ففي الوقت الذي تكاد تكون الأجور تجمدت فيه، زادت أسعار السلع الاساسية من طحين زيت طهي وغيرها بمعدلات عالية جداً.
وحتى بالنظر إلى الأرقام الرسمية للاقتصاد الكلي الإيراني تجد أنه مقابل نسبة نمو للناتج المحلي الاجمالي بلغت 12.9 في المئة في 2016 عقب رفع العقوبات يتوقع أن ينكمش الاقتصاد هذا العام بنسبة -6 في المئة على الأقل، وهناك تقديرات متشائمة تضع معدل الانكماش عند -9 في المئة.
وهبط سعر صرف العملة الإيرانية (الريال) بنسبة 60 في المئة تقريباً بينما وصلت نسبة التضخم الى 37 في المئة (التضخم في أسعار السلع الغذائية ما يسن 30 و60 في المئة). واذا كان معدل البطالة حسب الاحصاءات الرسمية عند 15 في المئة فإن معدل البطالة الحقيقي اكبر من ذلك بكثير. والمهم انه آخذ في الزيادة.
ومنذ بدأت امريكا اعادة فرض العقوبات العام الماضي طالت حتى الآن 1000 كيان إيراني من بنوك وأفراد وشركات. كذلك تضمنت حظر استيراد الحديد والصلب والألمنيوم والنحاس من ايران. لكن يبقى ان الاهم هو سعي امريكا إلى «تصفير» صادرات النفط الايرانية ما يعني حرمان الحكومة الايرانية من مليارات الدولارات التي هي بحاجة لأضعافها اصلا لتنشيط الاقتصاد بعد سنوات طويلة من العقوبات.
التحدي الإيراني بأن البلاد قادرة على تحمل العقوبات لا يبدو جدياً، إذ إن أكثر التقديرات تفاؤلاً تشير إلى أن إيران بإمكانها خسارة أقل من نصف صادراتها وتستمر قادرة على الصمود رغم الألم الاقتصادي. ويعني ذلك صادرات في حدود 1.5 مليون برميل يومياً. لكن الآن، وبينما لا تزيد الصادرات على خمس هذا الرقم فالحديث عن صمود إيران اقتصاديا مجرد «عنترية لفظية» لا تستند إلى أي واقع أو منطق.
وإذا كانت الذراع الاقتصادية للحرس الثوري الايراني (الذي صنفته الولايات المتحدة منظمة إرهابية) حاول في الأشهر الأخيرة عبر شركة «خاتم الأنبياء» الدخول في المشروعات التي انسحبت منها الشركات الأجنبية، فإن ذلك لن يستمر طويلاً بسبب الحاجة لاستيراد الكثير مما لا تستطيع طهران استيراده.
على سبيل المثال، عندما انسحبت توتال الفرنسية من مشروع تطوير حقل جنوب بارس (المشترك مع قطر - حقل الشمال) الذي بدأته مع رفع العقوبات وكلفته 5 مليارات دولار، تولت شركة «خاتم الأنبياء» المشروع. لكن بدون إمكانية استيراد المعدات وقطع الغيار وغيرها لن تستطيع «ثورية» الشركة إتمام المشروع.

* كاتب صحفي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"