الإخوان المسلمون في الإمارات

05:59 صباحا
قراءة 6 دقائق

مقالي هذا مجرد تصحيح لمعلومة نشرت في إحدى الصحف الخليجية، والمعلومة تقول إن الذي نشر فكرة جماعة الإخوان المسلمين في الإمارات هو شخص يدعى عثمان أحمد عثمان، والحقيقة أن هذه المعلومات ليست دقيقة بل إنها غير صحيحة أيضاً، ولا أعرف من أين جاء كاتب هذه المعلومة بهذا الخبر، فعثمان أحمد عثمان هو مقاول مصري معروف يعمل في الأعمال الإنشائية، وأسندت إليه أو إلى شركته بعض الأعمال الإنشائية الكبيرة في مصر في الستينات من القرن الماضي، واعتقد أنه اشترك في أعمال إنشائية في السد العالي في أسوان، عندما اشتدت الحركة الوطنية والقومية إبان العهد الناصري، وعملت هذه الشركة في عهد أنور السادات وحسني مبارك، وما زالت تعمل في مصر حسب علمي بجانب شركات مقاولات مصرية وعالمية أخرى، وأصبحت شبه حكومية . وفي الثمانينات من القرن المنصرم جاءت شركة عثمان أحمد عثمان لكي تعمل في الإمارات، وفي أبوظبي على وجه التحديد في أعمال إنشائية كان أولها مشروع تمديد مواسير المياه بين مدينتي أبوظبي والعين بتوصية من الحكومة المصرية، وأظن أن الشركة لها وجود في أبوظبي حتى اليوم . . ولا أعرف إن كان لعثمان أحمد عثمان علاقة بجماعة الإخوان المسلمين، ولكني أعلم أن الإخوان أو جماعة الإخوان ظهرت طلائعهم في الإمارات قبل مجيء أحمد عثمان بربع قرن تقريباً .

الإخوان في الخليج

وباعتبار دعوة الإخوان المسلمين دعوة إسلامية فإن عدداً كبيراً من المسلمين في العالم العربي والإسلامي تعاطفوا معها، ولهذا النوع من التعاطف بحث خاص ليس مجال حديثنا هنا الذي يقتصر على الإشارة إلى وجودهم في الإمارات العربية المتحدة . . وإذا اعتبرت بلدان الخليج العربي منظومة واحدة، فإن الكويت هو أول مكان خليجي يشهد تأثير الجماعة ونشاطها بعد ثورة 23 يوليو عام 1952 في مصر، والدور الذي لعبته جماعة الإخوان في هذه الثورة ثم الإنقلاب عليها ومحاربة السلطة العسكرية لها بعد ذلك محاربة فيها الشدة والقسوة، مما أدى إلى إعدام عدد من قادة الإخوان الكبار كالسيد قطب وعبدالقادر عودة وغيرهما، الذين اتهموا بالتآمر والاغتيالات، كما كان يحدث في العهد الملكي في مصر واغتيال النقراشي باشا رئيس وزراء مصر عام 1951 هو من أشهر الاغتيالات التي اتهم فيها الإخوان .

ولكن الكويت كانت تموج بالتيارات السياسية المختلفة من ليبرالية وقومية ومحافظة، ولم يستطع الإخوان المسلمون المنافسة في ذلك العهد، وانبرى الليبراليون والقوميون في دحض برنامج الإخوان، وكان على رأس المقاومين للإخوان شخصيتان كويتيان معروفتان في تيار القومية العربية هما، الدكتور أحمد الخطيب وجاسم القطامي، الذي توفي رحمه الله منذ شهر تقريباً .

ولم يكن الطريق سهل المسالك أمام التوسع الإخواني وغيرهم من الجماعات في الخليج العربي غير المنسجمة مع التيار القومي، ولذلك لم تقم في هذه المناطق تجمعات إخوانية منظمة لها الحول والطول قبل السبعينات من القرن المنصرم . . ولكن بارقة الأمل لمع وميضها في قطر (وقطر ما زالت مرتعاً فيه الخصوبة للإخوان حتى هذه الأيام)، حيث لجأ إليها أفراد من الإخوان أُخرجوا من مصر أو خرجوا منها، فتبناهم حاكم قطر الأسبق الشيخ علي بن عبدالله آل ثاني الذي اعتبر الإخوان سلفيين مسلمين اضطهدوا في ديارهم فلجأوا إلى بلده وعليه نصرتهم، وكان الشيخ علي رحمه الله أميراً مسلماً شديد التدين ويقرب إليه أهل العلم، ولم يكن منغمساً في أمور السياسة خارج إطار بيئته البسيطة، وجاء إليه أفراد من الإخوان المسلمين بينهم رجلان لهما مكانتهما في جماعة الإخوان، وهما الشيخ يوسف القرضاوي والشيخ عبدالبديع صقر، ولعب هذا الأخير دوراً قيادياً نفع به الإخوان، وتولى الشيخ عبدالبديع مركز المستشار لحاكم قطر ومديراً لدار الكتب القطرية التي تم تأسيسها في تلك السنين .

والحقيقة أن الإطالة في ذكر دولة قطر كمستقر لأفراد من الإخوان المسلمين، قصدنا منها التوضيح أن قطر كانت المكان الذي انطلق منه الإخوان صوب الإمارات، وبالذات دبي، التي ربطتها علاقة وطيدة بقطر ومنها المصاهرة بين الأسرتين الحاكمتين، ولم يكن المجتمع الإماراتي يومئذ (أواخر الخمسينات وبداية الستينات من القرن الماضي) على وعي ثقافي وسياسي كاف يستطيع أن يميز بين ما ينفعه في أمور السياسة وبين ما لا ينفعه، وكانت تفاعلاته مبنية على المشاعر العاطفية المحضة تجاه القضايا والأحداث الجارية في المنطقة، وكانت وسائل الإعلام الموجهة في الدول العربية ذات الأنظمة الراديكالية هي التي توجه أحاسيس الناس وتسيطر عليها وتسيرها حسب أهدافها .

ولم تكن للإخوان تلك الوسائل الإعلامية القوية التي لدى خصومهم فلجأوا أينما وجدوا إلى الخطب والمحاضرات الدينية والتجمعات السرية في حالات الخشية من السلطة والعلنية في الظهور إذا لم يتوجسوا خيفة .

وقد بدأ نشاط الإخوان في الإمارات من دبي التي أشرنا إلى ارتباطها بقطر، وانطلق هذا النشاط من مقر البعثة التعليمية القطرية التي جاءت من مساعدات قطر للإمارات في عام ،1962 وكان للشيخ عبدالبديع صقر ضلع في تأسيس هذا المكتب واختيار المدرسين والقائمين على شؤون المكتب، وكان الشيخ عبد البديع يتردد بانتظام على الإمارات، وأسس فيها مدرسة تابعة له اسمها مدرسة الإيمان في منطقة الراشدية في دبي وأعتقد أن هذه المدرسة مازالت قائمة، وكان مديرو المدرسة من أقرباء الشيخ عبد البديع والمتصلين به، وكان معظم المبعوثين القطريين من المدرسين والإداريين من الإخوان المسلمين وجلهم من جنسيات فلسطينية وسورية مرتبطة بشكل أو بآخر بالجماعة ومناهجها السياسية . وجاءت مديرية مكتب البعثة القطرية لتثبت أن الإخوان عازمون على أن يكون لهم موضع قدم في الإمارات، إذ تولى أمر الإدارة إخواني شديد التعصب للإخوان هو المرحوم عدنان سعد الدين السوري، وكان خطيباً مفوهاً ومجادلاً شديد المراس وكان حاد الخطاب جريئاً في الدعوة إلى نهج الإخوان والتحامل على مخالفيهم، بعكس صاحبه الشيخ عبدالبديع صقر الذي كان أكثر دبلوماسية وتحفظاً في مهاجمة مناوئ الإخوان وخاصة في العلن، وكان الشيخ عبدالبديع يعمل في السر أكثر مما يعمل في العلن .

ولم يكن الشيخ عبدالبديع والشيخ القرضاوي يقيمان في الإمارات، ولكن زيارتهما للإمارات كانت منتظمة وكانت المكتبة العامة التي أسستها البلدية عام 1963 مركزاً للمحاضرات، ومن أنشط المحاضرين في قاعة هذه المكتبة التي كانت تستقطب جمهوراً غفيراً كان الشيخ عبدالبديع وعدنان سعد الدين والشيخ يوسف القرضاوي، وكان بعض المدراء في المؤسسات الحكومية المحلية في دبي وفي غيرها من الإمارات يبدون شيئاً من التعاطف الظاهري مع الإخوان، ولكن المراقب كان يجدهم مزدوجي الولاء يميلون حيث تميل المصالح، والعجيب أن ممثلي الإنجليز الذين كان لهم وجود سياسي قوي في الخليج وفي الإمارات قبل عام ،1968 كانوا يقفون موقف المتفرج بعين الرضا من نشاط الإخوان في هذه المناطق، ولعل ذلك يرجع إلى مناوأة الإخوان للراديكالية العربية وعلى رأسها الناصرية في مصر حيث كانت مصالح الطرفين تلتقي عند هذه الحدود . وأول من تولى مديرية المكتبة العامة في دبي هو شقيق الشيخ عبدالبديع الأستاذ أمين صقر منبعثاً من قطر مع مساهمات قيمة من الكتب من مكتبة قطر الوطنية التي أسسها الشيخ علي بن عبدالله، كما تمت الإشارة في ما سبق . وتوالى على رئاسة البعثة القطرية وافدون عرب من ذوي الميول الإخوانية التشددية .

نشاط الإخوان في الإمارات

وعند قيام دولة الإمارات عام ،1971 ظهر بشكل ملحوظ أن هناك فئة قليلة تشبعت بدعوة جماعة الإخوان من أبناء الإمارات، ولا سيما أولئك الطلبة الذين أتيحت لهم فرصة الدراسة في قطر أو الذين بعثوا للخارج للدراسة ضمن البعثة القطرية، وأصبح هؤلاء من بين الطبقة (المتعلمة) التي استعانت بهم الدولة في بناء هياكلها الإدارية من وزارات وغيرها، وأهم المؤسسات التي قُدر لها بعض الوقت أن تخضع للتوجيهات الأيديولوجية في الإمارات، هي مؤسسات التعليم التي آل أمرها إلى التدني في أداء رسائلها بسبب هيمنة الفئوية وخضوعها للأدلجة وتضييق فضاء التعليم العصري الليبرالي الواسع، وما زالت يد الإصلاح في الدولة خلال ما يقارب ربع قرن تقريباً تحاول إصلاح الأضرار التي أعاقت تقدم المعارف في مراحلها المختلفة، وقلع جذور هذه الأضرار من إهمال للتربية الوطنية وحب الوطن والولاء له بدلاً من الخضوع للأدلجة الضيقة، وما ينتج عنها من موالاة للتوجيه الخارجي، وعدم الاعتراف بالتعددية المطلوبة في المجتمع المدني المعاصر الذي يشكل مبدأ قبول الآخر ركناً أساسياً في استكمال مبادئ حقوق الإنسان وتوفير العيش الآمن والكريم لهذا الإنسان، بعيداً عن شرور الفتن التي تخلقها الفئوية أية فئوية، وتعزل الإنسان عن أخيه الإنسان بسبب الاختلاف في العقيدة والانتماء العرقي والطائفي .

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"