الإساءة لأمة الإسلام والانتصار لساركوزي الابن

05:57 صباحا
قراءة 5 دقائق

احتلت أسبوعية شارلي إيبدو مكانة خاصة على الساحة الصحافية الفرنسية بخطها التحريري الجريء وأسلوبها الساخر، ورسوماتها اللاذعة. وقد وجدت فيها فئات من القراء ضالتها في كشف الفضائح، وتحدي الكثير من الطابوهات والسلط الدينية والدنيوية، والتمرد على العديد من القيود، واعتماد اللغة الحية والمباشرة إلى حد الفجاجة أحيانا.

وإذ كانت التجربة الأولى للأسبوعية الفرنسية الساخرة التي ذاع صيتها في سبعينات القرن المنصرم وقادها صحافيون اعتقدوا أنهم أصحاب رسالة في مجالهم، وقد اتسمت بالصدق والانسجام والكثير من التلقائية، فإنها لم تقو على الصمود والاستمرار اعتمادا على الرسالة فقط، واضطرت إلى الاحتجاب، ثم عاودت الصدور، منذ سنة ،1992 واتجهت إلى تعزيز عناصر المهنية والاحتراف، والمزاوجة بين مقتضيات المقاولة من جهة ومقومات المشروع الأصلي من جهة ثانية.

ويبدو أن الجانب الأول بدأ يتمدد ويلتهم مساحات من الجانب الثاني، وأخذت حسابات الربح ومضاعفة هذا الربح تفرض نفسها، وتتدخل بجرأة متنامية في النفخ في عدد من المواقف والسلوكات، وفي إهمال أو حجب مواقف وسلوكات أخرى. ووجدت سياسة الكيل بمكيالين مكانة متميزة لدى مركز القرار في تلك الأسبوعية الساخرة.

وإذا كانت شارلي إيبدو قد ضبطت متلبسة بالكيل بمكيالين على نحو فاضح سنة 2006 عندما اندفعت في إعادة نشر الرسوم الكاريكاتورية الدنماركية المسيئة للرسول الاكرم عليه الصلاة والسلام، وعندما وجدت ضالتها في جمع أوساط واسعة حولها من أعداء الإسلام والعروبة ومن الانتهازيين ومن مناصري حرية التعبير المطلقة، فإن الكثير من المراقبين الموضوعيين والمفكرين المستقلين لم يفطنوا، يومئذ، إلى اللعبة القذرة التي كانت تلعبها الأسبوعية الفرنسية وهي تستقطب تأييد معظم النخبة الفرنسية، وضمنها المرشح المرجح آنذاك إلى قصر الإليزيه نيكولا ساركوزي، ثم وهي تضاعف مبيعاتها وترفع مداخيلها وأرباحها. وقد بلغت مبيعات العدد المسيء للرسول صلى الله عليه وسلم نصف مليون نسخة. وبلغت الأرباح الصافية سنة 2006 ما يقارب المليون يورو، كان نصيب المدير منها يتجاوز الثلث.

ولكن الكثير من الذين لم يفطنوا إلى اللعبة المفضوحة التي بدأت شارلي إيبدو تلعبها ضد الإسلام والمسلمين بدعوى محاربة الارهاب والغلو، رافضة أي تجاوب مع عمادة مسجد باريس الكبير التي طالبتها بالاعتذار والتجأت إلى القضاء في سبيل ذلك. سيكتشفون ما آلت إليه أمور تلك الصحيفة، وما وصل إليه مديرها وجزء من طاقمها من تناقض ونفاق.

وانفجرت أزمة الأسبوعية الفرنسية خلال الشهر المنصرم، وانتقل دويها إلى مختلف أرجاء الساحة الإعلامية والفكرية الفرنسية، ثم امتد الصدى إلى بلدان الجوار وإلى خارج القارة العجوز. وإذا كان المفجر الأساسي للأزمة هو الموقف المنحاز لليهودية واليهود الذي يتمسك به مدير الأسبوعية فيليب -ال فإن الذريعة التي حاول الاتكاء عليها هي ما نشره أحد قيدومي الرسم الصحافي في زاويته بتاريخ الثاني من يوليو/تموز المنصرم.

وتحدث موريس سيني، الذي يرسم ويكتب في الصحافة الساخرة منذ خمسين عاما من عمر يبلغ السنة التاسعة والسبعين، تحدث في تلك الزاوية عن نجل الرئيس الفرنسي وقال إن جان ساركوزي جدير بأبوته، لقد أصبح مستشارا عاما بحزب الاتحاد من أجل أغلبية شعبية وهو الحزب الذي ركبه نيكولا ساركوزي في السباق الرئاسي.

وأضاف سيني قائلا: لقد خرج ابن الرئيس تحت التصفيق من المحكمة التي كانت تنظر في تهمة فراره على دراجة نارية من حادثة سير. وأردف سيني إن المدعي طلب الإفراج عن ساركوزي الابن، ثم أشار مفسرا تحول العقاب إلى مكافأة: إن المشتكي كان عربيا..! ولم يقف سيني عند هذا الحد بل ذكر أن ساركوزي الابن صرح برغبته في التحول إلى اليهودية ليتزوج بخطيبته المعتنقة لهذه الديانة ووريثة مؤسسي دارتي وهي شركة كبرى. وبذلك، يضيف سيني سيشق هذا الصغير طريقه في الحياة!.

ولكي يفيض سيني كأس مديره الملآن تعرض لأحد صحافيي مجلة الاكسبريس الفرنسي وقال هل هذا الذي يدعو المسلمين بفظاظة إلى التخلي عن تقاليدهم يستطيع قول نفس الشيء لليهود؟

وعلى الرغم من أن مدير شارلي ايبدو وكاتب افتتاحياتها لم تثره زاوية سيني إلا بعد مرور قرابة أسبوع، وعلى إثر انتقادها من قبل أحد الصحافيين واعتبارها من طرفه معادية للسامية، فإنه سرعان ما استشاط غضبا، وخير سيني بين الاعتذار والرحيل، ثم طرده من العمل. ولعل المتأمل في قناعات ومواقف وأسلوب موريس سيني سيستغرب كيف واصل هذا الأخير العمل في ضوء تلك القناعات والمواقف وذلك الأسلوب بعد الانحرافات التي دفعت إليها شارلي ايبدو في الفترة الأخيرة. ويبدو أن المشرفين على هذه الأخيرة كانوا يحاولون تحمل سيني لمكانته وسط قراء الأسبوعية، ولدوره في تنمية مبيعاتها، ولتكريسه لوجهها الأصلي كصحيفة متمردة. ولكن اقترابه من الخط الأحمر خط الرئيس ساركوزي وذريته وخط اليهودية واليهود أصبح مزعجا أكثر للمشرفين على تلك الصحيفة ومعيقا لتطلعاتهم في الاقتراب من مراكز السلطة والتقرير والتأثير.

ويقول المتحدثون عن موريس سيني إن هذا الأخير يعادي رجال الدين والعسكريين ويعادي الكل باستثناء القطط وموسيقا الجاز ولكنهم سرعان ما يستدركون ويقولون انه دافع بقوة عن جبهة التحرير الوطني الجزائرية، وأيد الثورة الكوبية، وناصر القضية الفلسطينية. والواقع أن من تكون هذه ملامحه السياسية لن ترضى عنه بأي شكل من الأشكال الأوساط الصهيونية.

أما المتحاملون على صانع ألمع أغلفة شارلي إيبدو ومتهموه باللاسامية، التي تعني لديهم فقط معاداة اليهود ولا تتسع لغيرهم من الساميين، فإنهم يستندون إلى ما يزعمونه بيت القصيد في زاوية الثاني من الشهر المنصرم، أي الربط بين اليهودية والثروة والمال. والحال أن سيني تحدث عما اعتبره انتهازية ساركوزي الابن التي لا تدفعه فقط إلى استغلال الديانة اليهودية من أجل الثروة بل تدفعه كذلك إلى استغلال سلطة والده من أجل التسلق الحزبي، وإلى استغلال نفس السلطة من أجل الافلات من العقاب القضائي. ويستند المتحاملون على سيني في اتهامه بالعنصرية إلى اعتباره الجزائريين الذين جندتهم فرنسا الاستعمارية للقتال ضد الوطنيين الجزائريين خونة لوطنهم لا يستحقون غير الازدراء، ويتناسى هؤلاء المتحاملون أن الحركيين في ذلك مثل الفرنسيين الذين استخدمتهم النازية الألمانية ضد وطنهم وشعبهم. ولا يعتبر نعت هؤلاء الأخيرين بالخونة والمتعاونين مع المحتل دليلاً على ممارسة العنصرية بل على الوطنية.

ولحسن حظ الحقيقة هذه المرة، فإن ادعاءات المشرفين على شارلي ايبدو بمحاربة اللاسامية والعنصرية لم تنطل على الكثيرين. وعلى الرغم من أن الأوساط الصهيونية والساركوزية قد عبأت جيشا من الصحافيين والمثقفين والفنانين من أجل مناصرة فيليب -ال ومهاجمة موريس سيني واتهامه بالعنصرية ومعاداة السامية. فإن شيخ رسامي الصحافة الفرنسية وجد الآلاف من الصحافيين والمثقفين والفنانين والفلاسفة والناشطين الجمعويين يقفون إلى جانب حقه في التعبير والسخرية والنقد الذي اعتاد على ممارسته خلال حياته العملية الطويلة بالصورة التي يرضاها وبغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف مع المواضيع التي يتناولها والأساليب التي يعتمدها. وكيفما كان الحال فإن ما يصدم حقا وفعلا هو هذه الغضبة المضرية من أجل نجل الرئيس ساكوزي المدلل مقابل تلك الوقاحة الصارخة التي مورست ضد نبي الإسلام والمسلمين صلى الله عليه وسلم.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"