الإماراتيون والقبول بالآخر.. مجلس الشيخ نهيان نموذجاً

03:23 صباحا
قراءة 3 دقائق
عبدالغفار حسين
زرت في الأسبوع الماضي الشخصية صاحبة الوجاهة والشهامة الشيخ نهيان بن مبارك، في مجلسه العامر في أبوظبي، وتناولنا على مائدته العامرة وجبة الغداء، ورأيت كالعادة في مجلسه هذا جموعاً غفيرة بعضهم جاء من مختلف أرجاء الإمارات، وبعضهم من المقيمين في مدينة أبوظبي، والبعض الآخر من الزوار، ومثل هذا المشهد عادي يتكرر منظره أمام كل من يعرف الشيخ بوسعيد، واعتاد أن يزور مجلسه.
والحقيقة أن أحسن ما يشاهده المرء في مجلس الشيخ نهيان، هي التعددية في وجوه الحاضرين وفي انتماءاتهم، وتجد هذه الوجوه تأتي زرافات ووحداناً، إما لمعرفة سابقة أو لكي تتعرف على هذه الشخصية، شخصية الشيخ نهيان التي يعرفها القاصي والداني في طول وعرض المنطقة الخليجية وغيرها من البلدان إقليمياً وشرق أوسطياً وعالمياً، ومثل هذا النشاط الاجتماعي الذي قلما يجده المرء في حياتنا اليومية ينعكس على سمعة الإمارات التي تعتبر اليوم إحدى المناطق المهمة ذات التركيبة المختلطة والمتعددة من البشر في الأجناس والأعراق والديانات والطوائف..
ولا تجد أحداً تحادثه في أي مكان في العالم إلا ويأتي الذكر الحسن للإمارات على لسانه ويهفو قلبه إلى زيارة الإمارات مرة أخرى.. وتكرار هذه الزيارة.
ولا أعدو الحقيقة إذا قلت أن مجلس الشيخ نهيان بن مبارك نموذج يعكس الوجه الحضاري للإمارات بكل ما في هذا الوجه من ملامح التعددية التي ترتاح لها النفوس وتأنس إليها.. وقد رأيت في الأسبوع الماضي عند زيارتي التي أشرت إليها في مستهل هذا الحديث، قساً مسيحياً يرأس إحدى الكنائس وعرفت أنه رئيساً لكنيسة كاثوليكية في أبوظبي ومعه عدد من الزوار الطليان رجالاً ونساء يتبعون الفاتيكان ويقيمون في الجزء الخاص بهم في مدينة روما، وصادف جلوسي بجانب هذا القس بلباسه وجبته الكنائسية الكاثوليكية.. قلت له يا أبونا، كيف أحوالك وهل أنت تشعر بالراحة في إقامتك في أبوظبي؟ قال القس، نعم، كأنني في بلدي وبين أهلي، ولم أشعر بغير المسرة في هذه البلاد الطيبة المسكن والأهل.. قلت له، ما الذي يجعل مقيماً مثله مرتاحاً هكذا وغير قلق في بلاد ليس بينك وبين أهلها قرابة من صلة، قال، أهل هذه البلاد وقادتها منفتحون ويحترمون الغير، والتركيبة الموجودة من السكان تدل على التسامح.. فسألته كم عدد المسيحيين في الإمارات ؟، فقال إنه يعرف على وجه التقريب عدد الكاثوليك من المسيحيين، فهم يبلغون قرابة التسعمائة ألف شخص، وأعتقد، والكلام له، أن عدد المسيحيين الآخرين يربو على مائتي ألف، أي أن العدد يبلغ مليوناً ومئة ألف فرد. أما عدد الكنائس بين دبي وأبوظبي فهي كثيرة وقال لي لا يعرف عددها بالضبط.
والواقع أن كلام هذا القس قد لا يقع في نفس متشدد من محدودي نطاق التفكير، موقعاً حسناً، ولكن شخصياً سرّني كثيراً أن أسمع هذا الكلام المتسم بالمدنية، وأرجعت ذلك إلى مكامن الخير التي في هذه البلاد وفي نفوس قادتها وأهلها الذين يعطون للغير صورة حضارية مشرفة عن بلادهم.. وأن الصورة المشوّهة التي يراها ويسمعها الغرباء عن الإسلام وعن العرب لا تعكس أبداً مرآتها الحقيقية، وأن بين العرب والمسلمين من هم على شاكلة أهل الإمارات يدينون بالإسلام المتسم بالسماحة والحب والترحيب بالآخر مهما اختلف الآخر عنه في مرامه ودينه وملته.
ومما لا شك فيه أنه لا سبيل أمام الإمارات للحفاظ على هذه السمعة الحسنة غير الاستمرار في إعطاء هذه الصورة الجميلة للعالم، لأن هذه الصورة هي الوحيدة التي تعطي لكل واحد في الدنيا الانطباع بأن الإسلام يختلف عما يعكسه لهم المتشددون والمشوّهون والمخربون، وأن هناك بين المسلمين من يقول للناس القول الحسن ويريهم الوجه البشوش ويقول لهم أهلاً وسهلاً بالرائح والغادي، ولا يرى في محيطهم ما يسوء ويكدر الخاطر، ويبعث على الاستياء.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"