الاقتصاد التركي يفقد جاذبيته

01:00 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. أيمن علي *


في الشهر الذي انتهى بالانتخابات المحلية، قامت الحكومة التركية بالسحب من احتياطي النقد الأجنبي للبلاد؛ للحيلولة دون انهيار الليرة، ووصل ما سحبته خلال شهر مارس إلى ما يقارب ثلث الاحتياطي.
بغض النظر عن نتائج الانتخابات المحلية في تركيا بالنسبة لحزب العدالة والتنمية الحاكم، وسواء كانت تعكس بداية تململ الشارع التركي من حكم حزب العدالة والتنمية وزعيمه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أم لا، فإن من الأسباب الحقيقية لتلك النتائج تراجع الاقتصاد التركي بشكل مطّرد. وتلك حقيقة واضحة منذ أكثر من ثلاث سنوات، وإذا كان أردوغان استطاع لفترة تبرير ذلك بشعارات شعبوية مثل «مؤامرة كونية على تركيا»، و«حرب اقتصادية تستهدف الليرة التركية» إلى آخره، فإن ذلك لم يعد ينطلي على قطاع كبير من الشعب التركي. أما في الخارج، فالعالم يتابع باهتمام اقتصاد تركيا، وبداية التراجع فيه منذ عام 2014 لأهميته، كأحد أكثر الاقتصادات الناشئة جاذبية منذ مطلع القرن الحالي، وحتى بداية العقد الثاني منه.
ففي الشهر الذي انتهى بالانتخابات المحلية، قامت الحكومة التركية بالسحب من احتياطي النقد الأجنبي للبلاد؛ للحيلولة دون انهيار الليرة، ووصل ما سحبته خلال شهر مارس/آذار إلى ما يقارب ثلث الاحتياطي. ففي الأسابيع الثلاثة الأولى من الشهر تم سحب ما يصل إلى 10 مليارات دولار لدعم الليرة، وهو ما ترك إجمالي احتياطي النقد الأجنبي لدى تركيا عند أقل من 25 مليار دولار. مع ذلك، لم تتوقف الليرة عن التراجع، حتى أنها هبطت بمعدل 5% في يوم واحد، هو يوم الخميس السابق على يوم الاقتراع في الانتخابات المحلية، ليصل سعر الدولار إلى أكثر من 5.5 ليرة تركي.
وخلال العام الماضي فقدت الليرة التركية ما يقارب ثلث قيمتها؛ إذ هبطت بنحو 30% مقابل الدولار، هذا على الرغم من استمرار البنك المركزي في رفع سعر الفائدة، متحدياً دعوات الرئيس لخفض أسعار الفائدة. وبنهاية 2018 وصل سعر الفائدة في تركيا إلى 24%، إلا أن ذلك لم يفلح في كبح جماح التضخم الذي يزيد على 20% وهو ما اضطر الحكومة لمحاولة تثبيت أسعار الخضراوات، وغيرها قبل الانتخابات المحلية.
ومهما كان تدخل البنك المركزي لدعم الليرة، فإن الأسباب الحقيقية لتراجع العملة ومؤشرات الاقتصاد الكلي الأخرى أبعد مما يمكن لأي سياسة نقدية ضبطه، وبالتأكيد ليست بسبب «استهداف» غربي للاقتصاد التركي الذي يعد نموه وتحسن أدائه هدفاً لكثير في العالم، خاصة المستثمرين والمقرضين والمستفيدين من صناديق «الأموال الساخنة». فقد بدأ الاقتصاد التركي يفقد جاذبيته نتيجة التدخل السياسي الشديد في سياسة البنك المركزي، ولا يقتصر التدخل على السياسة النقدية فحسب، بل إن كثيراً من السياسات الاقتصادية الداخلية، وخاصة ما يتعلق منها بالمستفيدين من حواريي الرئيس وقيادات الحزب الحاكم كان لها دور في هذا التراجع.
أضف إلى ذلك السياسات الخارجية للرئيس أردوغان التي تتسم بالرعونة أحياناً، وتكلف البلاد استقرار علاقاتها الإقليمية والدولية، بما يضمن استمرار الاستثمار في تركيا، وفتح الفرص أمام أعمالها في الخارج. كل ذلك أدى إلى تراجع معدلات النمو في الاقتصاد التركي من نسب كانت تفوق متوسط نمو أوروبا والعالم، إلى ما يقدر البعض أنه ركود فعلي. فقد تراجع النمو في الربعين الأخيرين من العام الماضي بنسبة 1.6% في الربع الثالث و2.4% في الربع الأخير. وهكذا وصل معدل نمو الاقتصاد التركي في 2018 إلى 2.6% فقط، في أسوأ نمو اقتصادي منذ 2009. ويمكن تخيل مدى التراجع بالنظر إلى أن معدل نمو اقتصاد تركيا كان يسجل في السابق مستويات قرب 7%.
ولم يطمْئن المستثمرين في العالم، ولا الشركاء التجاريين لتركيا لجوءُ أردوغان إلى تعيين صهره بيرات البيرق وزيراً للمالية خلفاً لوزير مهني متمرس كانت الأسواق قادرة على التعامل معه. كما أن الهجوم المتكرر لأردوغان على البنك المركزي وعلى القطاع المصرفي عموماً وعلى مؤسسات التصنيف الائتماني العالمية جعل كثيرين في العالم يتحسبون للتعامل مع تركيا. وهذا ما زاد أيضاً من خروج رؤوس الأموال من البلاد، وليس فقط بسبب التضخم وهبوط سعر الليرة، كما يدعي السياسيون الأتراك وفي مقدمهم الرئيس.
ولعل من الاختلالات الأساسية في الاقتصاد التركي هو سوق الائتمان، الذي يوشك على أزمة حقيقية بالفعل، في ظل استمرار الحكومة في سياساتها الحالية. فقد أعلنت وزارة الخزانة التركية أنها ستقوم بتسديد ما يزيد على 7 مليارات دولار من فوائد وأقساط ديون في الربع الثاني، وأنها ستسعى لاقتراض ما يصل إلى نحو 6 مليارات دولار في تلك الفترة من السوق المحلية. وتشمل المدفوعات للفترة من إبريل/نيسان إلى يونيو/حزيران نحو مليار دولار فوائد ديون، وما يزيد على 1.33 مليار دولار أقساط ديون خارجية. أضف إلى ذلك ما يصل إلى نحو 6 مليارات دولار ديوناً داخلية، على الخزينة الوفاء بها، أكثر من ثلث المبلغ عبارة عن فوائد والبقية أصل دين.
ويصل حجم الديون الخارجية المستحقة على تركيا 234 مليار دولار، منها 150 مليار دولار قصيرة الأجل، يتعين سدادها في غضون 12 شهراً. وربما تضطر البنوك التركية لبيع أصولها الدولارية للوفاء بالتزاماتها، مما سيؤدي إلى أزمة ائتمان خانقة في البلاد. ولن يفلح هجوم أردوغان على البنوك ولا ضغط صهره وزير المالية على القطاع المصرفي كي يقرض الأتراك في تخفيف حدة الأزمة، بل على العكس قد يزيد من تفاقمها.


* كاتب صحفي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"