الديكتاتورية المدنية

03:56 صباحا
قراءة دقيقتين
صادق ناشر

«لا لديكتاتورية مدنية».. شعار رفعه متظاهرون شاركوا في مسيرة شعبية مؤيدة للمجلس العسكري الانتقالي في العاصمة السودانية الخرطوم، بعد أن أصاب العلاقة بين المجلس وقوى الحرية والتغيير في الآونة الأخيرة شيئاً من الوهن، لدرجة تحول الأمر إلى مواجهة شبه مكشوفة، خاصة في ظل تغيير بعض القوى السياسية المشاركة في ائتلاف الحرية والتغيير من خطابها، وصل إلى حد إعلان تأييدها للمجلس والمطالبة بعدم اعتباره عدواً للشعب، كما هو موقف حزب الأمة، الذي يقوده رئيس الوزراء الأسبق الصادق المهدي.
الشعار لافت، ولم نجده إلا في السودان، ففي أغلب التظاهرات ترفع شعارات ترفض ديكتاتورية العسكر، لكن التظاهرات الأخيرة التي خرجت في شوارع الخرطوم، وإن لم تكن كبيرة، أبرزت الوجه الآخر، المتمثل في رفض ما أطلق عليه المتظاهرون «الديكتاتورية المدنية»، حتى أنهم رفعوا صور قادة المجلس العسكري وهي تجاور شعار «مئة في المئة عسكري»، أي أنهم يرغبون في حكم عسكري كامل.
الأمر لا يخرج عن تفسير واحد، وهو أن المجلس العسكري بدأ بعملية هجوم مضاد، خاصة بعد الخلافات التي نشبت بينه وممثلي قوى الحرية والتغيير، التي تشترط أغلبية ورئاسة مدنية للمجلس السيادي مقابل حضور أقل للمجلس العسكري، وهو ما يرفضه الأخير.
وكان الملمح الأبرز في الصراع بين الجانبين، قد تبلور في تصريح قائد المنطقة العسكرية المركزية بالخرطوم، الذي اتهم من أسماها «عناصر منفلتة» بمهاجمة مركبات تابعة لقوات الدعم السريع والاستيلاء عليها قرب موقع الاعتصام، وإشارته إلى أن «ميدان الاعتصام أضحى غير آمن ويشكل خطراً على الثورة والثوار ومهدداً لتماسك الدولة وأمنها الوطني»، قبل أن يغلق مدخل الاعتصام من شارع النيل، بسبب ما قيل إنه تكرار للحوادث في تلك المنطقة، ما يعني أن رؤيتي الطرفين تتباعدان شيئاً فشيئاً، وهو خطر على السلم الاجتماعي للسودان، الذي يأمل كثيرون أن يخرج من حالة المراوحة في المربع الذي يسير عليه إلى رحاب الحل السريع بعيداً عن الحسابات السياسية التي تتحكم في المشهد اليوم.
من الواضح أن المجلس العسكري، استطاع أن يستميل إليه بعض القوى، وهي مرشحة لتلعب دوراً كبيراً في المرحلة المقبلة، إذا ما وصلت العلاقة مع قوى الحرية والتغيير إلى نقطة اللاعودة، ومن شأن ذلك أن يعيد خلط الأوراق في الساحة السودانية، فالمجلس يريد أن يسحب الورقة القوية التي تمتلكها قوى الحرية والتغيير، المتمثلة في موقفها الجماعي من المرحلة الانتقالية، ويريد أن يقول لها إنها لم تعد تمثل الأغلبية ولا يحق لها أن تتحدث باسم القوى السياسية كافة.
وقد ناور المجلس بمهارة من أجل الحصول على وقت لإعادة التموضع، وبالتالي البدء في الهجوم المضاد، عبر تحالفات غير معلنة مع قوى لها تأثير وازن في الشارع السوداني، كما هو الحال مع حزب الأمة وأحزاب وقوى سياسية أخرى، ما يعني أن الخلاف الصامت اليوم سيصبح غداً صريحاً ومعلناً.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"