الشهيد.. وهو يدفع مهر الوطن

04:10 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. يوسف الحسن

كيف نجعل من يوم الشهيد، يوماً وطنياً للحاضر والمستقبل، ورافعة لهوية متماسكة، في وجدان وعقول وسلوك الأجيال الشابة؟
هذا التساؤل، نطرحه على مؤسساتنا الثقافية والتربوية والسياسية، على المفكر والفنان والروائي والشاعر والسينمائي وكاتب الدراما، وكل صاحب إبداع.
كيف نسخر الموارد والإمكانيات الفنية والإعلامية، لترسيخ ما يجسده «الاستشهاد» والفداء والتضحية بالنفس، من قيم نبيلة، ومعاني العطاء، وحب الوطن، في تفاصيل حياتنا ومفاصلها، وفي حياة جيل المستقبل. وفي وعيه الوطني، وحسه بالتاريخ.
ليس يوم الشهيد، مجرد يوم له طقوسية احتفائية، نحتفي ونتذكر ونستحضر، ونمسح خلالها دموع أمهات وآباء وأبناء وأقارب وأصدقاء، لبت فلذات أكبادهم نداء الواجب الوطني، وإنما هو أيضاً مسؤولية وطنية وتاريخية، لبناء سردية الشهداء، شهداء هذا الزمن، وشهداء الأمس وما قبل الأمس، وبما يعزز عوامل الاحتشاد والتضحية والشجاعة في الشخصية الإماراتية المعاصرة.
ويبعث الحيوية والتجدد، في مفهوم مسؤوليات المواطنة الصحيحة، وعلى رأسها الواجبات قبل الحقوق، ويعيد «تثمين» قيمة الوطن، ليس كمجرد مورد رزق وانتفاع، بل كحياة ومصير وتاريخ وهوية، ومصلحة عليا وطنية، وأدوار إنسانية وأخلاقية، وكوطن نافع للشقيق والصديق والمظلوم والمستغيث، ويمتلك فلسفة نبيلة في العطاء والإقدام والإرادة، والخير العام.
مطلوب من كل المبدعين، وأصحاب الخيال الفني والدرامي، تخليد تجارب وقصص الاستشهاد والبطولة، من خلال الفنون المختلفة، وبخاصة السينما، ولتنمية الحس بالتاريخ عند الأجيال الشابة، فلا ينقطع وصلها مع الذات والمكان والمستقبل.
النصب التذكاري لشهداء مقاومة الغزو البرتغالي (في مطلع القرن السادس عشر) لمدينة خورفكان، والذي دشنه صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، قبل سنوات، ليس بهدف السياحة أو الاحتفائية الفولكلورية، وإنما للعبرة والدرس، واستحضار مفاهيم إيجابية للفداء والتضحية والانتماء، تجسدت في مواطنين ومجتمع ضحى من أجل كرامة الناس والأوطان في الأزمنة الماضية، وأضاء الطريق أمام أجيال تالية.
في يوم الشهيد، نستحضر أيضاً، شهداء قاوموا غزوة عسكرية بحرية بريطانية، مفرطة في وحشيتها وقسوتها في عام 1819 على مدن وموانئ إمارات الساحل، بدءاً من رأس الخيمة، وقدم شعب الإمارات أكثر من ألف شهيد، وفقاً للوثائق البريطانية، ومن بين الشهداء نساء (محاربات جلفار)، شهداء دافعوا عن أرضهم وأملاكهم، وعن مجالهم الحيوي، وعن حقوقهم في التجارة والتنقل عبر البحار.
كما نستحضر شهداء آخرين، نذكر منهم، الشرطي الأول سالم سهيل خميس، الذي استشهد في مثل هذا اليوم في عام 1971بنيران الكوماندوز الشاهنشاهي، وهو يدافع مع خمسة رجال شرطة، عن مركز شرطة جزيرة طنب الكبرى، قبل أن تحتلها القوات الغازية الإيرانية، قبيل إعلان قيام الاتحاد بيومين اثنين.
وكوكبة أخرى من الشهداء في سلك الخدمة الخارجية والدبلوماسية الإماراتية، ومنهم؛ المغفور له الشهيد سيف غباش، وزير الدولة للشؤون الخارجية في أكتوبر 1977، والمرحوم الشهيد الصديق خليفة المبارك، سفير الإمارات في باريس في فبراير 1984، وآخرون ساروا على درب التضحية والمسؤولية الوطنية، في أكثر من موقع ومكان....وصولاً إلى حرب الضرورة في اليمن، والتي ضحت كوكبة كبيرة من الشهداء من أجل خير اليمن، وإعادة الحياة إليه، وتعزيز استقلاله وعروبته، ومواجهة حالة الغلاة والتوحش والتخلف فيه... وهذا هو ثمن الانتصار للحق والقيم العربية والإنسانية.
نفتخر بشهدائنا البواسل، الذين كانت وما زالت دماؤهم تبث روحاً جديدة في المجتمع، وتعزز وعياً مجتمعياً في العمل الوطني، وفي آليات التلاحم الشعبي مع القيادة السياسية، وترسخ قيم الهوية الوطنية. وروح الانتماء والفداء لدى الأجيال الناشئة.
نستحضر ذكراهم، ونقول لأرواحهم، إنهم بدمائهم، دفعوا مهر الوطن، ليكون وطناً آمناً ومستقراً ومزدهراً، وصنعوا تاريخاً مشحوناً بدفاعات باسلة، عن حاضر بلدهم وشعبهم، وطموحاته ومستقبله، وليكون هذا الوطن، نافعاً لأهله ولأمته، ومفيداً للإنسانية، وقيمها العليا في الكرامة والنخوة والتعاضد والخير العام.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"