ترامب والمسألة الروسية

03:17 صباحا
قراءة 3 دقائق
عاصم عبد الخالق

لم يخطئ ديمتري ميدفيديف رئيس الوزراء الروسي عندما اعتبر توقيع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على العقوبات التي أقرها الكونجرس ضد روسيا إهانة لترامب؛ لأنه وقعها مرغماً رغم رفضه لها. تصريحات ترامب نفسه تمثل اعترافاً صريحاً بالموقف الذي وجد نفسه فيه. فلم يخف اعتراضه على مرسوم العقوبات الذي وصفه بأنه معيب للغاية، ويتضمن أحكاماً غير دستورية على حد قوله.
لم يتعرض ترامب شخصياً لأي هجوم من خصومه الروس المدركين أنه لم يكن له أي حول ولا قوة فيما فرضه الكونجرس عليهم من عقوبات. الأكثر من ذلك أنه طبقاً لنص هذا القانون لا يحق له تخفيف أو إلغاء العقوبات دون موافقة الكونجرس، وهو أمر، قلما يتعرض له رئيس أمريكي.
النتيجة لخصتها صحيفة «نيويورك تايمز» بقولها، إن ترامب بات مقيداً أو مغلول اليد. حتى حق نقض القانون «الفيتو» لم يكن باستطاعته استخدامه؛ نظراً للغالبية المطلقة التي مررته، التي تحبط بالتالي حق الرئيس في نقضه.
النتيجة الأهم في التصعيد الحالي للمواجهة بين الولايات المتحدة وروسيا وبعد الرد الانتقامي الروسي هي أن ترامب بات أسيراً للمسألة الروسية؛ حيث ستظل تحاصره وتفرض عليه مجموعة من الأفعال وردودها حتى اليوم الأخير من رئاسته. كثير من الرؤساء السابقين أيضاً مروا بظرف مماثل، حاصرتهم قضية أو قضايا فرضت نفسها على أجندة سياستهم الخارجية طوال وجودهم في البيت الأبيض.
نادراً ما تمتع رئيس أمريكي برفاهة اختيار أولويات سياسته الخارجية، هذه الملاحظة رصدها مايكل سينج الباحث في «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى»، بوش الأب وبيل كلينتون حاصرتهما تداعيات انهيار الاتحاد السوفييتي، بينما بوش الابن بقي لليوم الأخير من رئاسته حبيساً لكارثة 11 سبتمبر/أيلول وعواقبها، ولم يكن أمام أوباما أي مفر من انتهاج سياسة خارجية تهيمن عليها تداعيات ما سمي ب«الثورات العربية»، إلى جانب ظهور «داعش».
ليس غريباً إذن أن ينضم ترامب لهذا الركب التاريخي، لكن عبر البوابة الروسية سيكون عليه أن يواجه الأزمات المترتبة على اتهام روسيا بالتدخل في الانتخابات الرئاسية، وما يثار حول علاقته هو والدائرة المحيطة به مع المسؤولين الروس. قبل ذلك وبعده لديه البعد الخارجي في الأزمة التي ازدادت تعقيداً بعد الإجراءات الروسية الانتقامية، لاسيما وأن الباب بات مفتوحاً على مصراعيه لعقوبات جديدة متبادلة بين الدولتين.
لذلك ليس من المبالغة أن يحذر كثيرون في واشنطن من المخاطر المترتبة على التصعيد الحالي للأزمة ونتائجها على أداء ترامب؛ بل إن هناك من يتوقع أن تتعرض رئاسته للشلل في نهاية المطاف؛ بسبب تداعيات الأزمة، في المقابل هناك من يرى بصيص ضوء يمكن أن يهتدي به ترامب للخروج من النفق المظلم الذي وجد نفسه حبيساً داخله. من هؤلاء مايكل سينج الذي أشرنا إليه آنفاً، وهو يقترح استراتيجية من ثلاث خطوات: الأولى إجراء تقييم شامل للسياسة الخارجية الروسية؛ للوصول إلى فهم أوضح لدوافعها وأهدافها الاستراتيجية، في هذا الصدد لابد من الأخذ في الاعتبار أن «روسيا بوتين» هي قوة تغير وتجديد، بمعنى أن الرئيس الروسي لا يقنع بالعالم كما هو؛ لأنه يسعى إلى خلق نظام دولي جديد تتبوأ فيه بلاده موقعاً يليق بها. وبالطبع لن يحدث هذا إلا على حساب نفوذ ومكانة الولايات المتحدة.
الخطوة الثانية هي صياغة استراتيجية محددة للتعامل مع روسيا، وليس ضرورياً أن تكون العلاقات معها صدامية دائماً؛ لأن هناك مناطق التقاء يمكن التعاون فيها مثل مكافحة الإرهاب أو الملف السوري؛ لكن يجب ألا ينسى ترامب أن روسيا هي خصم استراتيجي حتى لو عاد الدفء إلى العلاقات معها. أخيراً عليه أن يحشد الحلفاء والأصدقاء لدعم سياسته تجاه روسيا.
في كل الأحوال أصبح ترامب أسيراً للأزمة الروسية، وسيدفع لذلك ثمناً فادحاً، قد يكون محظوظاً إذا استطاع تحمله.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"