عاصم عبد الخالق
إما على سبيل التوقع اعتماداً على مؤشرات علمية وحقائق موضوعية، أو على سبيل التمني الذي تغذيه خلافات سياسية وتنافرات أيدلوجية وفكرية، أصدرت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية حكمها بالإعدام على الاقتصاد الصيني. حيثيات الحكم كتبته الصحيفة الرصينة في تقرير عنوانه يشي بمضمونه وهو الاقتصاد الصيني ينصهر ببطء. لم تكتف الصحيفة المتخصصة في الشأن الاقتصادي بتكرار ما يردده الخبراء المحايدون حول الأزمة، التي يواجهها اقتصاد الصين؛ بل ذهبت بعيداً في توقعاتها حول نتائج ومآلات هذه الأزمة التي رأت فيها علامة على ذوبان وانصهار المعجزة الصينية وإن كان بصورة تدريجية بطيئة.
وبناء على هذه النتيجة المتوقعة دعت الصحيفة الحكومة الأمريكية وحكومات الاتحاد الأوروبي إلى الاستعداد لمواجهة التداعيات والعواقب الوخيمة لهذا السيناريو الكارثي الذي سيهز الاقتصاد العالمي.
من وجهة نظرها سيبدأ الانهيار، إن لم يكن قد بدأ بالفعل، من القطاع العقاري الضخم الذي يواجه ركوداً وتدهوراً لم تعرفه الصين منذ بداية نهضتها. أحد تجليات الأزمة كان انهيار الشركتين العملاقتين «ايفرجراند وكاسيا» مما تسبب في خسائر بالملايين. جاء إفلاس الشركة الأولى بعد أن وصلت ديونها المتراكمة وقيمة منشآتها غير المكتملة إلى نحو 300 مليار دولار، وهذا الرقم الهائل كشفت عنه صحيفة نيويورك تايمز في تقرير آخر عن الاقتصاد الصيني أقل تشاؤماً من تقرير زميلتها وول ستريت جورنال.
يمثل القطاع العقاري نحو 30% من حجم الاقتصاد الصيني وهي نسبة تبلغ ضعفي المستويات التي كانت سائدة في الولايات المتحدة، وبريطانيا، وإسبانيا عندما تفجرت الأزمة المالية في 2008-2009، وكانت أيضاً بسبب انفجار الفقاعة العقارية، فيما عرف وقتها بأزمة الرهن العقاري.
وبفضل نشاط القطاع العقاري طوال السنوات الماضية حافظ الاقتصاد الصيني على نسبة نمو فوق 6% إلا أن «وول ستريت» ترى أنه لا توجد بارقة أمل بتعافي هذا القطاع الحيوي قريباً، وبالتالي لن يجد الاقتصاد القاطرة التي تنتشله من أزمته الحالية.
ولأن المصائب لا تأتي فرادى فلم تقتصر مشكلة الصين على هذا القطاع؛ بل تفجرت لديها أزمات أخرى لا تقل حدة في مقدمتها نقص الوقود، ما أدى إلى تخفيض عدد ساعات العمل في المصانع، وأدى ذلك بدوره إلى نقص مستلزمات الإنتاج وبالتالي تضررت عشرات القطاعات الأخرى وليس القطاع العقاري فقط.
تكمل «نيويورك تايمز» قصة الأزمة الصينية بالإشارة إلى مصير آلاف العمال، الذين خسروا وظائفهم بعد توقف النشاط في مئات المواقع الإنشائية، يضاف إلى ذلك تداعيات جائحة كورونا وخسائرها الاقتصادية.
تفاصل الأزمة كثيرة، لكنها ليست الوجه الوحيد للحقيقة، هناك نقاط مضيئة أخرى على حد قول صحيفة الشعب الصينية، التي ردت بتهكم وغضب على ما ذكرته «وول ستريت» معتبرة أنه عودة متأخرة إلى الحديث عن نظرية الانهيار الصيني التي تعتبرها أحد الأوهام التي روجت لها «الدوائر الشريرة» في الغرب. تقول الصحيفة الناطقة باسم الحزب الشيوعي الحاكم إن المؤشرات المؤكدة توضح أن الاقتصاد الصيني أنهي 2021 بأداء قوى وحقق توقعات صندوق النقد بنمو في حدود 8% كما توجد فرص واعدة لمزيد من الازدهار في 2022.
لا تنكر الصحيفة وجود صعوبات حقيقية بسبب تطورات معروفة في مقدمتها تداعيات «كورونا» والفيضانات وأزمة الطاقة، ومع ذلك فقد سجل الاقتصاد نمواً متواصلاً في كل ربع خلال 2021 وبمعدل يفوق أداء الاقتصادات الرئيسية في العالم مثل أمريكا التي سجلت 5,7% واليابان 2,4% وألمانيا 3%. فضلاً عن هذا فقد حافظت الصادرات الصينية على مستوياتها على الرغم من التوقعات بتراجعها. كما ارتفع إنفاق الأسر على السلع الاستهلاكية والمعمرة في الداخل ونمت مبيعات التجزئة بنسبة 4,4% في الربع الثالث.
لا مجال لسرد باقي تفاصيل الصورة البراقة التي ترسمها الصحيفة الصينية بنفس القدر الذي لا يتاح لنا نقل كل معالم الصورة القاتمة التي قدمتها «وول ستريت». أيهما على حق؟ هذا ما ستجيب عنه الأيام خلال العام الجديد.