ترامب يلوّح بمغادرة سوريا.. متى تركيا؟

04:54 صباحا
قراءة 3 دقائق
د.عصام نعمان

عادت سوريا إلى الواجهة. دونالد ترامب يخصّها بتصريحاته، ملوّحاً بمغادرتها «في وقت سريع جداً». فلاديمير بوتين يلمّح هو الآخر بأن زيارته لتركيا بعد انتخابه لولاية رئاسية جديدة تتعلق بسوريا وبضرورة إنهاء الإرهاب لاستعادة وحدتها. حسن روحاني ومحمد جواد ظريف يقولان إن تعزيز سيادة سوريا شرط لإنهاء أزمتها. رجب طيب أردوغان يعطي تفسيراً جديداً للتدخل في سوريا بقوله، إنه أبلغ بوتين شخصياً بعملية «غصن الزيتون» التي «تهدف إلى تعزيز أمننا مع الحفاظ على وحدة سوريا وسيادتها (...) ولا يمكن ترك مستقبلها بيد قوات سوريا الديمقراطية (الكردية) و«داعش»».
الكل، في الظاهر، مع وحدة سوريا وسيادتها، أو في الأقل، ليس ضدها علناً، فهل هم جادون في الباطن؟
ثمة شروط بالنسبة لكل الأطراف المتصارعة في سوريا وعليها. الولايات المتحدة لا تريد لإيران أي وجود عسكري فيها حفاظاً على أمن «إسرائيل». تركيا لا تريد للكرد السوريين أي وجود عسكري أو حكم ذاتي في شمالها وشرقها. إيران تقول، إنها تريد لسوريا أن تستعيد وحدتها وسيادتها على كامل جغرافيتها السياسية ما يستوجب جلاء جميع القوات الأجنبية عن أراضيها. روسيا يهمها تفاهم تركيا وإيران على تسوية متكاملة بشأن سوريا تضمن وحدتها وسيادتها وتؤّمن أيضاً مشاركة جميع أطراف الصراع الدائر فيها على أسس مستقبلها السياسي بما في ذلك مشاركة الكرد في المفاوضات المقبلة.
للوصول إلى أغراضها وتأمين مصالحها تلجأ كل الأطراف المتصارعة إلى وسائل متعددة، بعضها سياسي وبعضها الآخر عسكري، وربما مالي أيضاً!
«إسرائيل» تريد استبقاء القوات الأمريكية كضمانة لمعادلة الوجود العسكري الإيراني.
تركيا تبدو مستعدة لإجلاء قواتها شريطة الحصول على ضمانات ثابتة بعدم تمكين الكرد السوريين من إقامة حكم ذاتي في محافظات الحسكة والرقة وحلب، أو الاحتفاظ بتشكيلات مسلحة في تلك الأصقاع. وإذا تعذّر الحصول على هذه الضمانات فقد تلجأ إلى إقامة وجود تركي فيها بالوكالة من خلال تنظيمات سورية موالية لأنقرة شأن «الجيش السوري الحر» وغيره.
«إسرائيل» قد تقوم بتبني بعض التشكيلات السورية العسكرية الناشطة على حدود الجولان المحتل، وتشترط مشاركة هذه التشكيلات في أية مفاوضات مقبلة كأحد أطراف الصراع لتضمن إيجاد ترتيبات أمنية مؤاتية لها في جنوب سوريا.
كل هذه الأمور جرى درسها بالتأكيد في قمة أنقرة الثلاثية التي انتهت إلى قرارات جرى إعلانها وترتيبات جرى إبقاؤها تحت الطاولة إلى أجل قريب أو بعيد.
غير أن ما يلفت النظر، تلك «الهجمة» الدبلوماسية والسياسية الروسية على تركيا. فالرئيس الروسي يحرص على التشاور هاتفياً مع نظيره التركي بشأن معظم القضايا العالقة، وهو ما يحرص الرئيس التركي على القيام به أيضاً. غير أن أبرز ظاهرات هذه العلاقات المتطورة بين الدولتين موافقة بوتين على تزويد تركيا أقوى منظومات الدفاع الجوي لديه وهي S-400. مع العلم أن موسكو زوّدت طهران (التي تربطها بها علاقات سياسية وأمنية أقدم وأوثق من علاقتها بأنقرة) منظومة S-300 الأدنى فاعلية.
ما الغاية من هذا التدبير اللافت؟
لعل موسكو تبتغي أمرين في آن: الأول، «رشوة» أنقرة سياسياً وعسكرياً لحملها على سحب قواتها من شمال سوريا في سياق تسوية سياسية مع دمشق تؤمّن مصالح الطرفين. الثاني، تزويد أنقرة أسلحةً متطورة تفي بحاجاتها الآنيّة والمستقبلية لإغرائها بالتخلي عن عضويتها في حلف شمال الأطلسي.
ما غاية ترامب من وراء اعتزامه سحب قواته من سوريا؟
قد يكون دافعه اقتصادياً بالنظر إلى إخفاق واشنطن، كما قال، في جني أي شيء من تريليونات الدولارات التي أنفقتها في المنطقة خلال السنوات الماضية. لكن الأمر، يبدو أبعد من ذلك. لعل واشنطن تفكر جدّياً بتوجيه ضربة قوية لإيران في أعقاب إلغاء الاتفاق النووي في شهر مايو/ أيار المقبل، إذ ليس من الحكمة أن تبقي في سوريا قوات محدودة العدد والتسليح في وقت تكون منغمسة في مواجهة عسكرية ضارية مع طهران.
هذا مجرد احتمال، لكنه جدير بالدرس والاستشراف.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

مُجاز في الحقوق ودكتور في القانون العام ومحام منذ السبعينات .. أستاذ محاضر في القانون الدستوري في الجامعة اللبنانية زهاء عشر سنوات .. نائب ووزير سابق .. له مؤلفات عدة وعديد من الأبحاث والدراسات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"