توجه صيني جديد في الصراع التجاري مع أمريكا

03:03 صباحا
قراءة 5 دقائق
د.أيمن علي*

يدرك الصينيون حاجة الرئيس الأمريكي لإبرام اتفاقات تجارية تمثل مكسباً له أمام ناخبيه، لكن بكين ترى أيضاً أنه بالإمكان «تطويل» أجل المفاوضات التجارية حتى يصبح الأمريكيون مستعدين للتنازل في بعض بنود الاتفاق.
لم تحدد كل من الصين والولايات المتحدة موعداً جديداً لاستئناف مفاوضات التجارة بين البلدين، وسط تصعيد للحرب التجارية عبر زيادة الرسوم على صادرات كل بلد للبلد الآخر منذ انهيار الجولة الأخيرة من المفاوضات بين الجانبين منتصف مايو.
وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أوحى، عبر تغريداته المتفائلة على تويتر، بأن تلك الجولة ستشهد التوقيع على اتفاق تجارة جديد بين أكبر اقتصادين في العالم يتسم بالعدالة ويلغي الكثير من الميزات التي تتمتع بها الصين وتؤدي إلى ميل الميزان التجاري بين البلدين لصالحها. لكن انهيار المفاوضات وعدم التوصل لاتفاق في منتصف مايو أثار قلق الأسواق حول العالم ومخاوف كثير من الاقتصادات المتداخلة مع اقتصاد البلدين من حرب تجارية طويلة الأمد.
وينتظر العالم لقاءً مرتقباً بين الرئيس ترامب ونظيره الصيني تشي جين بينج على هامش قمة مجموعة العشرين في أوساكا باليابان نهاية يونيو/ حزيران، على أمل أن تسفر القمة الصينية الأمريكية عن انفراج في مسار المفاوضات التجارية بين البلدين.
ومنذ بدأ الرئيس ترامب تلك الحرب التجارية، ليس مع الصين فحسب بل مع كل شركاء أمريكا التجاريين في العالم، ولا أحد يجادل في عدالة الموقف الأمريكي خاصة فيما يتعلق بالصين. بل إن كثيراً من المراقبين والمحللين يعزون تأجيل الركود العالمي لتلك السياسة التجارية الأمريكية مع الصين.
في الوقت نفسه، يكاد يجمع الاقتصاديون والمتعاملون في الأسواق على أن استمرار الحرب التجارية بين البلدين لفترة طويلة من شأنه الحاق الضرر ليس باقتصاديهما فحسب بل بالاقتصاد العالمي ككل. فاذا كان الاقتصاد الأمريكي، أكبر اقتصاد في العالم، هو قاطرة الاقتصاد العالمي فإن اقتصاد الصين كثاني أكبر اقتصاد والأسرع نمواً يعد دينامو النمو في الاقتصاد العالمي أيضا.
ومن شأن عدم التوصل الى اتفاق تجارة بين البلدين أن تكون له عواقب وخيمة على العالم، صحيح أن الصين ستكون الأكثر تضرراً من استمرار الحرب التجارية لكن تأثير ذلك على الاقتصاد الأمريكي وبالتالي الاقتصاد العالمي قد يكون كارثيا أيضاً. ولوضع الأمر في سياقه نذكر بأن حجم التجارة بين البلدين بلغ العام الماضي نحو 660 مليار دولار، وتستحوذ الصين على أكثر من تريليون دولار من ديون أمريكا للعالم.
ومع انهيار المفاوضات أعلن الرئيس الأمريكي زيادة الرسوم على نحو 200 مليار من صادرات الصين لأمريكا من 10% إلى 25% مع تهديد بفرض رسوم مماثلة على صادرات أخرى بنحو 325 مليار دولار، أي تقريبا كل صادرات الصين للولايات المتحدة. وفي المقابل ردت الصين بزيادة الرسوم على واردات أمريكية بنحو 60 مليار دولار إلى ما يصل ل 25% وأغلبها صادرات زراعية وكيماوية ومنتجات أسماك.
وما يثير تشاؤم كثيرين من استمرار الحرب التجارية الصينية الأمريكية لفترة طويلة ما بدا من تغير في التوجه الصيني تجاه المفاوضات ولجوء بكين إلى التحدي بدلاً من التفاهم. وفي افتتاحية رأي لوكالة الأنباء الرسمية الصينية يوم 21 مايو ظهر هذا التوجه واضحا بتهديد بكين بإجراءات انتقامية أخرى ستضر بأمريكا والشركات متعددة الجنسية والأسواق العالمية.
ورغم اعتراف الافتتاحية بالضرر الذي سيقع على الأعمال الصينية والاستثمارات الصينية في أمريكا، إلا أنها اعتبرت ذلك دافعاً للتطوير الذاتي المستند إلى تنامي شعور الوطنية عبر الاستثمار أكثر في البحوث والتطوير وابتكار مسارات تنموية مستقلة. وأشارت الافتتاحية إلى أن الدورة الاقتصادية في الولايات المتحدة في نهايتها، ما يعني فرصة تراجع اقتصادي تقليدي، بينما الاقتصاد الصيني ما زال قادراً على التوسع.
والواضح أن السبب في ذلك التوجه الصيني الذي يتسم بالتحدي هي ضغوط داخلية يتعرض لها الرئيس تشي من قيادات صينية ترى في الاتفاق التجاري المقترح من قبل الأمريكيين انتقاصاً من السيادة الوطنية وخضوعاً غير مقبول يفتح الباب أمام الانتقاص من استقلال الصين. والسبب في انهيار جولة المفاوضات الأخيرة هو شطب الجانب الصيني لكل ما يتعلق بالتزام الصين بتعديل قوانينها الرسمية ولوائحها وإجراءاتها الوطنية لتضمين بنود الاتفاق.
كذلك اعترض الصينيون على لغة ولهجة الاتفاق الذي يتم التفاوض عليه في كل بنوده تقريباً، من حقوق الملكية الفكرية والأسرار التجارية إلى النقل الاجباري للتكنولوجيا وسياسة المنافسة والوصول للخدمات المالية وضبط سعر صرف العملة. ويأتي ذلك في سياق تململ صيني أوسع من التجارة والاقتصاد، ليس أقل تعبيرا عنه إبحار قطع الأسطول الأمريكي في مياه تعتبرها الصين مياهها الاقليمية في بحر الصين الجنوبي.
ويبدو أن واشنطن أصبحت تدرك أنه إذا كان لدى الرئيس ترامب صقور يدفعون باتجاه معاقبة الصين تجاريا بشدة فإن هناك صقوراً في بكين يضغطون على الرئيس تشي كي لا يفرط في سيادة البلاد مقابل اتفاق تجاري مع أمريكا. لذا، أرجأ الرئيس ترامب قرار الرسوم على بقية الصادرات الصينية لستة أشهر بانتظار جولة مفاوضات جديدة بعد القمة المرتقبة في أوساكا.
وإن كان ترامب متشجعاً بنمو الاقتصاد الأمريكي (نسبة سنوية 3.2% في الربع الأخير) وتراجع البطالة وغيرها من مؤشرات قوة اقتصاده، فإنه يواجه مشكلة مع ولايات الوسط الأمريكي التي يعاني مزارعوها الرسوم الانتقامية على صادراتهم نتيجة الرسوم الأمريكية على الشركاء التجاريين. وتلك الولايات مهمة بشكل رئيسي لحملة ترامب لإعادة انتخابه في 2020. كما أن الاقتصاد الصيني ما زال ينمو بوتيرة نحو ضعف الاقتصاد الأمريكي (بنسبة 6.4% العام الماضي).
لهذا، ألغى ترامب الرسوم على واردات الحديد والألمنيوم من كندا والمكسيك ليضمن موافقة الكونجرس على الاتفاق التجاري الجديد مع البلدين الجارين. وبالتالي ألغت كندا والمكسيك الرسوم على نحو 15 مليار دولار من صادرات أمريكا الزراعية. مع ذلك يطالب المزارعون الأمريكيون بتعويضات عاجلة تصل إلى 20 مليار دولار من حكومة ترامب نتيجة الأضرار التي لحقت بمنتجاتهم حتى الآن.
وإذا أخذنا في الاعتبار رفض الاتحاد الأوروبي إدراج المنتجات الزراعية ضمن مفاوضات التجارة مع أمريكا يمكن تصور تأثير ذلك في فرص ترامب الانتخابية، هذا إلى جانب الأضرار المالية نتيجة تعويض المزارعين الأمريكيين. ربما لذلك أجل ترامب فرض رسوم على واردات السيارات لمدة ستة أشهر، على أمل التوصل لاتفاقيات تجارية مع الاتحاد الأوروبي وبريطانيا واليابان قبل نهاية العام.
ويدرك الصينيون حاجة الرئيس الأمريكي لإبرام اتفاقيات تجارية تمثل مكسبا له أمام ناخبيه، لكن بكين ترى أيضا أنه بالإمكان «تطويل» أجل المفاوضات التجارية حتى يصبح الأمريكيون مستعدين للتنازل في بعض بنود الاتفاق التجاري، خاصة المطالبة بتغيير القوانين السيادية الصينية.
وبانتظار لقاء ترامب وتشي في أوساكا لا يبدو في الأفق أن أياً من الطرفين مستعد للتنازل أكثر، رغم ادراكهما للضرر المتوقع على كل منهما وعلى الاقتصاد العالمي إذا استمرت الحرب التجارية بينهما لفترة طويلة دون اتفاق.


* كاتب صحفي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"