روسيا تتجه شرقاً

00:29 صباحا
قراءة 3 دقائق
جوشوا كوشير *

في أواخر أكتوبر/ تشرين الأول استقطب خطاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اهتمام وسائل الإعلام العالمية، ووصفه البعض بأنه الخطاب الأكثر عداء تجاه الولايات المتحدة والغرب خلال حياته السياسية . وبينما أعطى بوتين إشارة على أن مستقبل روسيا سيزداد ارتباطاً بآسيا من الآن فصاعداً، إلا أنه فعل ذلك بلطف وكياسة، وبدا أنه يحاول تجنب ترك انطباع بأن روسيا إنما تتوجه نحو آسيا بعد قطيعة مع الغرب .
وقال بوتين في كلمة أمام الاجتماع السنوي لنادي فالداي، الذي يجمع سنوياً خبراء بارزين من كل أنحاء العالم لمناقشة شؤون روسيا ودورها العالمي: "تلعب آسيا دوراً عالمياً متعاظماً أكثر من أي وقت في مجالات السياسة والاقتصاد، ولا يمكن بأي حال أن نغفل ذلك، خصوصاً وأن جزءاً كبيراً من بلدنا يقع جغرافياً في آسيا، ولماذا لا نستغل أفضلياتنا التنافسية في هذه المنطقة؟" .
وكان وزير الخارجية سيرغي لافروف قد عرض مسبقاً قبل ذلك ببضعة أيام أفكار بوتين، حتى إنه تحدث بصراحة أكبر حول أهمية الصين بالنسبة لروسيا . وقال: "حققنا اختراقاً في تطوير شراكتنا الاستراتيجية مع الصين، وهذا التعاون ليس شديد الأهمية بالنسبة لتوثيق العلاقات الثنائية فحسب، بل هو يعزز أيضاً استقرار العلاقات الدولية" .
واللافت للنظر أن بوتين ولافروف حذرا بتعابير متطابقة تقريباً من تفسير تركيز روسيا على الصين وآسيا باعتباره نتيجة لانهيار علاقات روسيا مع الغرب عقب أزمة أوكرانيا، وقال بوتين: "يفترض البعض اليوم أن روسيا تدير ظهرها لأوروبا، وتبحث عن شركاء جدد، خصوصاً في آسيا . دعوني أقل إن هذه ليست هي الحال إطلاقاً، إذ إن سياستنا النشطة في منطقة آسيا - الهادي لم تبدأ بالأمس، وهي ليست رداً على عقوبات، وإنما هي سياسة نتبعها منذ سنين طويلة" .
وهذا صحيح إلى حد كبير، ولكن من المؤكد أيضاً أن تركيز موسكو على آسيا قد ازداد منذ بدء أزمة أوكرانيا . وهناك تاريخ طويل من توجه روسيا نحو الشرق عندما تتدهور علاقاتها مع الغرب . وفي العام ،1858 كتب القيصر الكسندر الثاني إلى صديق يقول: "أتوقع أن المستقبل سيتقرر في آسيا" .
وعندما بدأت الحرب الباردة في أعقاب الحرب العالمية الثانية، أصبحت الصين الشيوعية أوثق حليف للاتحاد السوفييتي، وتلك العلاقات انهارت في ما بعد، ولكن عقب انهيار الاتحاد السوفييتي، أعادت روسيا إحياء تلك العلاقات سعياً لثقل موازن بمواجهة الغرب وتوسع حلف الأطلسي .
والانعطاف الجديد نحو آسيا بدأ يعاني منذ الآن واقع أن مشكلات روسيا مع الغرب تلحق بها إلى الشرق .
إذ إن اليابان وأستراليا فرضتا بدورهما عقوبات على روسيا، في حين تعمل الولايات المتحدة لرص صفوف بلدان آسيوية من أجل عزل روسيا .
وبعد أن ألقى بوتين خطابه الأخير، سئل حول إمكانية أن يحبط حلفاء الولايات المتحدة في آسيا مساعي روسيا هناك . فأجاب بالقول: "إذا رضخت بعض البلدان لضغط الولايات المتحدة وكبحت تعاونها مع روسيا على حساب مصالحها القومية الخاصة، فهذا سيكون خيارهم . ولكن من يستطيع إرغام دول آسيوية كبرى على وقف تعاونها مع روسيا على حساب مصالحها؟ هذه مجرد أوهام .
ومن الممكن جر مثل هذه الدول الآن وإرغامها على عمل أشياء معينة، ولكن هذا لا يمكن أن يستمر إلى الأبد، خصوصاً في آسيا، توجد هناك بلدان تتحكم فعلاً بسيادتها، وهي تثمن هذه السياسة ولن تسمح لأحد بأن يمسها" .
والإشارة إلى الصين هنا جلية

صحفي مستقل
موقع ذا دبلومات

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"