قمة ورئيسان وثلاث سياسات

04:19 صباحا
قراءة 3 دقائق
عاصم عبد الخالق

الخلافات الحادة بين الولايات المتحدة وروسيا لن تكون المشكلة الوحيدة التي تهدد نجاح القمة المقررة بينهما يوم الإثنين المقبل في هلسنكي. التحدي الآخر وربما الأخطر يتمثل في الخلافات الأمريكية - الأمريكية حول الموقف من روسيا. قد يبدو الأمر غريباً، ولكنها الحقيقة التي تقول إن للولايات المتحدة سياستين متناقضتين تماماً إزاء روسيا. الأولى مهادنة، استرضائية، تصالحية يتبناها الرئيس دونالد ترامب، والأخرى هجومية تصادمية تتمسك بها إدارته.
التناقض الغريب بين توجهات الرئيس والإدارة ليس سرّاً، وتجسده دائماً تصريحات ومواقف الجانبين. ترامب من ناحيته لم يُخفِ قط إعجابه بنظيره الروسي. ويغدق عليه المديح منذ بداية حملته الانتخابية وبعد فوزه أيضاً. ويحرص ترامب في كل مناسبة على التأكيد على أهمية إقامة علاقات جيدة مع روسيا، متحاشياً توجيه انتقادات مباشرة وحادة لسياستها إلاّ فيما ندر وبأقل الكلمات وأخفها وقعاً.
وبات معروفاً أن ترامب يتبنّى موقفاً تصالحياً بصفة عامة تجاه روسيا، حتى إن خصومه يعتبرون ذلك من نقاط ضعفه. وقبل قمة الدول الصناعية السبع في كندا خلال مايو الماضي، خرج ترامب بتصريح صادم دعا فيه لإعادة انضمام روسيا إلى هذا المحفل الدولي الذي استبعدت منه عام 2014 بسبب الأزمة الأوكرانية، وقرار روسيا بضم شبه جزيرة القرم.
أشد ما أثار سخط الدول الحلفاء، أن غصن الزيتون الذي لوح به ترامب لزعيم الكرملين؛ تزامن مع قرع طبول حرب تجارية معها بسبب التعريفات الجمركية التي فرضتها الولايات المتحدة، فضلاً عن مطالبتها لها بزيادة الإنفاق الدفاعي في إطار حلف الناتو. الغريب أن استرضاء ترامب لبوتين تزامن أيضاً مع هجوم ضار وغير مسبوق، شنّه على أحد أقرب حلفاء بلاده وهو رئيس وزراء كندا استخدم فيه كلمات غير لائقة.
وعلى عكس مواقف ترامب الودية ومشاعره الطيبة نحو روسيا، تتمسك إدارته بسياسات حادة وهجومية ضدها لا تختلف كثيراً عن السياسات التقليدية التي انتهجتها الإدارات السابقة. وبالطبع لا يحظى بوتين بأي قدر من الإعجاب أو التعاطف بين السياسيين الأمريكيين، أو أركان الحكم في واشنطن، بل العكس هو الصحيح.
حتى قضية التدخل الروسي في الانتخابات ورغم حساسيتها بالنسبة للرئيس ولحزبه الجمهوري، لا يتردد أعضاء الحزب في توجيه الاتهامات لروسيا وهو نفس موقف الأجهزة الأمنية. وقبل أيام أكد تقرير للجنة المخابرات في مجلس الشيوخ والتي يسيطر عليها الجمهوريون، أن روسيا تدخلت بالفعل في الانتخابات لمساعدة ترامب. وقالت اللجنة إن التقرير يدعم ما توصلت إليه المخابرات الأمريكية بهذا الشأن وأعلنته العام الماضي.
ليس هذا هو التناقض الوحيد بين مواقف ترامب وأركان إدارته من سياسيين ومشرعين وأجهزة أمنية. ومعظم مستشاريه يعبرون عن توجهات حادة ومتشددة سواء تجاه بوتين أو روسيا، مستخدمين كلمات قاسية لا يلجأ إليها هو شخصياً. ولروسيا مكان محفوظ وبارز في كل الأدبيات السياسية الأمريكية باعتبارها تهديداً محتملاً وقائماً يجب التحسب له والاحتياط منه. وتعتبرها إستراتيجية الأمن القومي المعلنة أوائل 2018 المنافس الأول لأمريكا في العالم مضافاً إليها الصين. وقد نصت مراجعة الوضع النووي وهي وثيقة أمريكية مهمة على ضرورة تطوير أسلحة نووية جديدة رداً على ما اعتبرته وزارة الدفاع اتجاهاً عدوانياً من روسيا لتطويرها ترسانتها النووية.
ومن غرائب السياسة الأمريكية ذات الرأسين؛ أنه بينما يتجنب ترامب انتقاد روسيا، تواصل وزارة دفاعه سعيها الدؤوب لتوسيع حلف الناتو شرقاً، وتزويد أوكرانيا بأسلحة متطورة وهو ما يغضب موسكو. ومنذ أقل من شهرين قتلت القوات الأمريكية في سوريا نحو 200 مسلح من الموالين للنظام الحاكم هناك، وتبين لاحقاً أن معظمهم من الروس.
مثل هذا التناقض الغريب بين مواقف ترامب وحكومته، دفع الصحفي الأمريكي جون دونلي إلى طرح تساؤل منطقي وهو بأي سياسة سيواجه ترامب نظيره الروسي عندما يلتقيان الأسبوع المقبل. والى أي صوت سينصت بوتين، هل سيكون لصوت ترامب الوديع أم لصوت إدارته الخشن؟.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"