مشكلة الكرد السوريين كيف تحل؟

04:28 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. عصام نعمان

تكاد سوريا تنهي، بالقتال أو بالمصالحات، مشكلة جنوبها الذي تقاسمته الفصائل المسلحة. روسيا تساعد سوريا بالقتال كما بالمصالحات التي تغني عن الاحتراب. أمريكا «ساعدت» سوريا أيضاً بوقف دعمها للفصائل المسلحة. الأردن ساعد أيضاً بوقف نقل الرجال والعتاد عبر حدوده تفادياً لتدفق اللاجئين السوريين إلى أراضيه. «إسرائيل» تقبّلت على مضض، أو هكذا تظاهرت، بعودة القوات السورية الحكومية إلى الأراضي المحيطة بالجولان المحتل بل أخذت تدعو للعودة الى التزام اتفاق فصل القوات بينها وبين سوريا الموقّع سنة 1974.
هذه التطورات والإنجازات ما كانت لتتحقق لولا اتصالات وتفاهمات تمّت وراء الستار بين روسيا وأمريكا، بعضها بعلم سوريا وموافقتها، وبعضها الآخر ما زال طيّ الكتمان.
سؤال آخر يُطرح: إلى أين ستتجه القوات السورية بعد إنهاء مشكلة الجنوب السوري؟ هل تتجه الى تحرير محافظة إدلب في الشمال الغربي حيث جبهة «النصرة» وحشد من الفصائل الأخرى المتحالفة (والمتصارعة) معها أم إلى محافظات الرقة والحسكة وشرقيّ دير الزور في الشمال الشرقي، حيث تسيطر قوات سوريا الديمقراطية «قسد» التي تدعمها الولايات المتحدة بقواتها المتواجدة هناك ؟
الأرجح أن تتوجه القوات السورية الى تحرير محافظة إدلب أولاً حيث لتركيا فصائل موالية ولروسيا وجود عسكري غير بعيد منها. الأفضلية ستكون لتحرير إدلب لأن دمشق تحظى بدعم واضح من موسكو في كفاحها لاستعادة وحدتها وسيادتها على كامل ترابها الوطني.
كما تحظى- على ما يبدو- بتأكيدٍ من روسيا بأن تركيا لن تُحرجها بدعم أعدائها في إدلب، خلال معركة تحريرها، شريطة أن تردّ دمشق «الجميل» بدعم انقرة في حملتها ضد الكرد السوريين .
من الصعب التكهن، الآن، بمضمون موقف تركيا وأمريكا وروسيا حيال مسألة اعتزام سوريا تحرير إدلب من أعدائها. ربما يصبح الجواب جاهزاً بعد قمة ترامب - بوتين في هلسنكي. ذلك كله يدفع إلى الواجهة بمسألة سيطرة سوريا على محافظتي الرقة والحسكة على سبيل الاستعاضة.
صحيح أن للحكومة السورية وجوداً عسكرياً وإدارياً في بعض نواحي الحسكة، لكن السيطرة تبقى بيد «قسد» المدعومة من أمريكا. دمشق لن تتعاطى، إذاً، مع واشنطن بشأن الكرد كونها تعلم أن أمريكا لن تتعاطف معها لأن وجود قواتها في شرق سوريا (التنف) وشمالها الشرقي (الرقة) هو من قبيل الضغط عليها بغية حمل إيران على سحب قواتها من أراضيها. لا يبقى أمام دمشق، والحالة هذه، إلاّ الاستعانة بأصدقائها الروس، فماذا تراه يكون موقف موسكو؟
ثمة تقارب كبير حدث في الآونة الأخيرة بين أنقرة وموسكو لدرجة أن الأخيرة قررت تزويد الأولى بمنظومة للدفاع الجوي من طراز S-400 بالرغم من عضوية تركيا في حلف شمال الأطلسي. موسكو لن تتخلى طبعاً عن دمشق وستدعم موقفها بشأن عودة محافظتي الحسكة والرقة إلى سيادتها، لكنها تفضل لهذه الغاية أن تضغط على أمريكا وليس على تركيا.
إزاء هذه الملابسات والتحديات ستجد سوريا نفسها، كما الكرد السوريون، أمام خيار آخر أجدى وأنفع: أن تتوصل دمشق وقادة الكرد السوريين غير الموالين والحريصين على البقاء ضمن الوطن السوري إلى صيغة سياسية متوازنة تصون وحدة البلاد في ظل سلطة مركزية، كما تصون حق الكرد في مواطنية متساوية مع إخوتهم الآخرين في الوطن وتكفل حقهم في ممارسة إدارة محلية يحميها الدستور والقانون في إطار نظام ديمقراطي يحقق مساواة جميع المواطنين أمام القانون.
آن الآوان للوطنيين بين الكرد، وهم الأغلبية، أن يحولوا دون قيام قلةٍ منهم بدور «تكسي الدول» الأجنبية الطامعة بأراضي سوريا ومواردها. كما آن الأوان للقوى الوطنية المتعقّلة في سوريا كي تجترح مقاربة وطنية ديمقراطية في التعاطي مع الكرد تكفل عودتهم إلى حضن الوطن في إطار دولة مدنية ديمقراطية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

مُجاز في الحقوق ودكتور في القانون العام ومحام منذ السبعينات .. أستاذ محاضر في القانون الدستوري في الجامعة اللبنانية زهاء عشر سنوات .. نائب ووزير سابق .. له مؤلفات عدة وعديد من الأبحاث والدراسات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"