معجزة فيتنام

04:37 صباحا
قراءة دقيقتين
صادق ناشر

تستحق تجربة فيتنام في النهضة الاقتصادية التي حققتها خلال السنوات القليلة الماضية، ليس فقط الدراسة والتأمل، بل والإشادة؛ فقد تمكّنت هذه الدولة التي كانت على هامش الدول الفقيرة، من تأسيس اقتصاد قوي، صار ينافس دولاً لها صولات وجولات في التنمية والبناء، وغنيّة بما لا يقارن بما تمتلكه فيتنام، التي خرجت من حرب كارثية مع الولايات المتحدة الأمريكية في سبعينات القرن الماضي، فيما لم يحقق لها بقاؤها في الحظيرة الاشتراكية أي نوع من التطور، ولم يكن هناك بدّ سوى الخروج من هذه الشرنقة، التي دفعت بسببها ثمناً كبيراً من ازدهارها، الذي تنعم به اليوم.
يتجاوز عدد سكان فيتنام حالياً 90 مليون نسمة، وبحسب تقارير اقتصادية دولية؛ فإنها حققت ثاني أكبر معدل لنمو دخل الفرد في العالم منذ عام 1990، لم يسبقها في ذلك سوى الصين، وترى هذه التقارير أنه إذا تمكّنت هانوي، من الحفاظ على وتيرة النمو، التي لا تقل عن 7% على مدار العقد المقبل، فإنها سوف تمضي بنجاح في طريق سارت فيه دول كثيرة، تعرف اليوم ب«النمور الآسيوية»، وهي: كوريا الجنوبية وسنغافورة وهونج كونج وتايوان، لتحقيقها معدل نمو اقتصادي مرتفع وتصنيع سريع خلال الفترة ما بين الستينات والتسعينات من القرن الماضي، وبداية القرن الجاري.
يعيد الكثير من الاقتصاديين بداية ما يمكن تسميتها «المعجزة الاقتصادية الفيتنامية» إلى عام 1992، عندما توقف الدعم الذي كانت تحصل عليه من الكتلة الاشتراكية، إثر انهيار الاتحاد السوفييتي، فقد كان هذا الدعم أساس اقتصاد فيتنام، خاصة أنها كانت خرجت للتو من حرب شرسة مع الولايات المتحدة الأمريكية، التي فرضت عليها حصاراً اقتصادياً وسياسياً كبيراً، كان من ضمنه الضغط على المؤسسات الدولية، مثل صندوق النقد والبنك الدوليين لحرمانها من المساعدات الضرورية لإعادة بناء اقتصادها الذي دمّرته القوات الأمريكية في حربها اللاأخلاقية ضد الفيتناميين وغيرها من الإجراءات الكثير.
نقطة التحوّل في التوجّه الفيتنامي كانت في عام 1986، بعدما اعتمد الحزب الشيوعي الحاكم فكرة اقتصاد السوق، حيث جرى تشجيع الاستثمار الأجنبي، والترحيب بالشركات الخاصة، ما أدى إلى انطلاق عصر التحرير الاقتصادي الذي ازدهرت خلاله ريادة الأعمال، وهو ما سرّع بتحويل فيتنام إلى ثاني أكبر مصدّر للأرز في العالم، كما ركّزت على صناعة السياحة، التي بدأت تدر على اقتصادها الصاعد ملايين الدولارات.
يحق اليوم أن تُرفع القبعة لفيتنام، الدولة الواعدة في آسيا، خاصة إذا ما عرفنا أنها إلى ما قبل 30 عاماً، كان يشار إليها باعتبارها واحدة من أفقر دول العالم، لكنها اليوم أصبحت واحدة من الدول التي ينافس اقتصادها اقتصادات الدول المجاورة لها، وستتحوّل قريباً أنظار العالم إليها لقدرتها على تطويع الظروف لصالحها، وبداية تأسيس فيتنام الجديدة من الصفر.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"